سالم الكبتي

دامت أعمال لجنة الواحد والعشرين في عدة اجتماعات متواصلة. نقاشات وأخذ ورد ومشاورات مع مندوب الأمم المتحدة المستر بلت والمجلس الاستشاري المتواجد في طرابلس؛ حيث تعقد تلك الاجتماعات للجنة. استغرقت هذه الأعمال والاجتماعات الفترة من الصيف إلى الخريف. بدأت في يوليو 1950 وانتهت في الثلاثين من أكتوبر منه.  اثنتان وعشرون جلسة بالتمام. ومحاضر وثقت كل الآراء وما دار عبر تلك الجلسات في جراند هوتيل المطل على كورنيش طرابلس.
في مستهل أول الاجتماعات اختير الشيخ محمد أبوالأسعاد العالم باعتباره أكبر الأعضاء سناً رئيساً للجلسات وعلي رجب المدني أصغر الأعضاء سكرتيراً.
اعتنت اللجنة بأمورها وتنظيمها منذ البداية لكي يسير العمل بالصورة القانونية المرضية فاقترح رئيسها تأليف لجنة فرعية سداسية تقوم بوضع مشروع للائحة الإجراءات الداخلية وتمت الموافقة على هذا الاقتراح وصار تأليف اللجنة من السادة: رشيد الكيخيا وخليل القلال وأبوالربيع الباروني وعلي رجب وطاهر الجراري ومحمد عثمان الصيد، تتولى إعداد اللائحة وقد انتهت منها وقدمتها للموافقة التي نالتها من اللجنة بالكامل وعلى ضوء إصدار اللائحة انتخبت اللجنة بالإجماع الشيخ أبوالأسعاد رئيساً للجنة الواحد والعشرين والسيدين خليل القلال من وفد برقة ومحمد عثمان الصيد من وفد فزان سكرتيرين للجنة المذكورة.
كان أهم عمل أمام اللجنة يتطلب إنجازه هو كيفية تكوين الجمعية الوطنية وتحديد أعضائها والإجابة عن ثلاثة أسئلة ووضع أجوبة وحلول لها وهي:
1- تحديد العدد الذي تتكون منه الجمعية.
2- هل يكون التمثيل في الجمعية بالتساوي بين الأقاليم الثلاثة أو بنسبة عدد سكان كل إقليم منها.
3- هل يكون التمثيل بطريق الانتخاب أو بالاختيار
4- كيفية الاختيار إذا ووفق على هذا المبدأ.
5- تحديد موعد انعقاد الجمعية الوطنية ومكان اجتماعها.
وعلى هذا الأساس وإجابة لمحاور هذه الأسئلة المهمة التي ستضع حجر الأساس الدستوري لليبيا والشروع في تجربتها البرلمانية الجديدة استمرت في مداولاتها وانتهت بتحديد عدد أعضاء الجمعية بستين عضواً والتمثيل خلالها يكون بالتساوي.. عشرون عضواً عن برقة وبالمثل عن طرابلس وفزان. ثم كانت العقبة التي كثيراً ما تخللت المناقشات هي في التمثيل اختياراً أو انتخاباً. وطالت النقاشات هنا فقد وافق وفدا برقة وطرابلس على أن يتم ذلك (اختياراً) ويقوم به الأمير إدريس في برقة ويقوم به في طرابلس الشيخ محمد أبوالأسعاد العالم.
وهنا رفض السيد حمد سيف النصر مبدأ الاختيار وأصر وفقاً لبرقية وتعليمات أرسل بها في شهر أغسطس إلى وفد فزان بضرورة أن يتم التمثيل في الجمعية الوطنية (انتخاباً). وتأجلت المناقشات حول الموضوع كثيراً وظل سي المهدي بن هيبة رئيس وفد فزان ينتظر التعليمات الجديدة لكي يستطيع ووفده إبداء وجهات نظرهم الشخصية. ثم كان الرأي منه بأن تجرى الانتخابات في طرابلس تحت إشراف مندوب الأمم المتحدة وفي برقة تحت إشراف الأمير إدريس وفي فزان بأشراف السيد حمد سيف النصر. وظل الوفد على اتصال بالسيد سيف النصر وسافر إلى سبها لهذا الغرض وبعد الكثير من التوضيحات وإزالة الالتباسات نال اقتراح التمثيل بالاختيار رضا وموافقة السيد سيف النصر في نهاية الأمر حتى تسير الأمور إلى الأفضل.
وقد عرضت إلى ذلك كله بتفاصيل موثقة في كتابي (ليبيا مسيرة الاستقلال..ثلاثة أجزاء) الصادر في طبعتين في بيروت وبنغازي خلال 2011 و2012.
وبهذا تكون لجنة الواحد والعشرين قد هيأت المسائل بجهد كبير ووضحت معالم الطريق الدستوري القادم ونجحت في الخطة التي أوجدتها لكيان الجمعية الوطنية التأسيسية واجتماعاتها وطريقة تشكيلها ونفذت نصاً وروحاً الغرض الذي قامت من أجله لبناء الأساس الدستوري الليبي. ورأت أن الدرب الذي سلكه مندوب الأمم المتحدة في اختيار أعضاء لجنة الواحد والعشرين وما احتواه من طريقة عملية وأصولية سهل ويسر العديد من الجهود اختصاراً للوقت وعدم ضياعه.
في الرابع والعشرين من أكتوبر 1950 حضر المستر بلت الدورة الخامسة للجمعية العامة للأمم المتحدة في ليك سكسس. نظرت في تقريره السنوي عن القضية الليبية ثم قدم تقريراً لاحقاً أطلع فيه الأمين العام على مجمل القرارات التي اتخذتها لجنة الواحد والعشرين. وبمناقشة التقرير واستعراض تشكيل اللجنة وقراراتها أصدرت بناء على ذلك الجمعية العامة للأمم المتحدة قرارها التاريخي الثاني (الذي يغفل عنه الليبيون أيضاً) في السابع عشر من نوفمبر 1950 مؤكداً قرارها السابق في 21 نوفمبر 1949 وأوصت بالآتي:
أ- بأن تجتمع جمعية وطنية ليبية تمثل سكان ليبيا تمثيلاً صحيحاً في أقرب وقت ممكن وعلى كل حال في مدة لا تتجاوز أول يناير 1951.
ب- بأن تؤلف هذه الجمعية الوطنية حكومة ليبية موقتة في أقرب وقت ممكن على أن تضع نصب أعينها أول إبريل 1951 هدفاً لذلك.
ج- بأن تنقل الدولتان القائمتان بأعمال الإدارة في ليبيا السلطات تدريجياً إلى الحكومة الليبية الموقتة بطريقة تضمن إنجاز نقل جميع السلطات من أيدي الإدارتين الحاليتين (البريطانية والفرنسية) إلى حكومة ليبية مشكلة تشكيلاً صحيحاً قبل أول يناير 1952.
مفارقة أخرى ظلت لازمة مع مطلب الانتخابات أيضاً في ذلك الوقت ففي أثناء مناقشة هذا القرار في رحاب الأمم المتحدة وقبل أن تقره الجمعية العامة تقدمت مصر بطلب تعديل التوصية الأولى من القرار بحيث يكون (تجتمع جمعية وطنية ليبية منتخبة) بدلا من الصيغة المذكورة وكان هذا الاقتراح في الواقع كما تشير أوراق الأمم المتحدة ومحاضر المجلس الاستشاري معارضة لطريقة التمثيل في الجمعية الوطنية المرتقبة على قدم المساواة وبطريقة الاختيار كما قررتها لجنة الواحد والعشرين بعد عصف متواصل من الأفكار والأخذ والرد غير أن هذا (التعديل المصري المقترح) رفض بأغلبية أصوات الجمعية العامة للأمم المتحدة.
وهكذا رغم ما حدث هناك في نيويورك قرب تمثال الحرية ووفقاً لقراري الأمم المتحدة تشكلت الجمعية الوطنية الليبية التأسيسية وفقاً للخطة التي رسمها الليبيون في لجنة الواحد والعشرين المكلفة من مجلس الأمم المتحدة لليبيا بوضع طريقة تكوين الجمعية المذكورة كما تفيد المحاضر والتقارير الدولية.
.. وعلى السكة بدأ مشوار الجمعية الوطنية. ولم يكن الليبيون في ذلك كله مجرد (صناعة أجنبية)أو (أدوات في أيدي الآخرين)!

____________________

مقالات

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *