يعد مفهوم المشاركة السياسية أحد أهم المفاهيم التي وجدت اهتمام العديد من المفكرين في مجالات العلوم الاجتماعية كافة وذلك لما له من مكانه كبيرة وأيضا لتداخل هذا المفهوم مع العديد من المفاهيم الاخرى وأيضا لان هناك الكثير من المفاهيم في مجال العلوم السياسية التي يتوقف تحققها على ارض الواقع على توفر هذا المفهوم مثل مفهوم الديمقراطية حيث لايمكن الحديث عن الديمقراطية دون التعرض للمشاركة السياسية لأفراد المجتمع ، فهي ضرورية لإرساء قواعد المجتمع الديمقراطي.

وكما أن الديمقراطية هي عملية مركبة تتكون من مجموعة عناصر كل عنصر فيها يشكل عملية قائمة بذاتها فإن المشاركة السياسية كأحد هذه العناصر أيضا فهي عملية قائمة لهاعناصرها الأساسية والضرورية حيث لايمكن إهمالها أو إسقاطها بل يجب الاهتمام بكل واحدة منها على حدة وبنفس القدر من الجدية حتى يتحقق الهدف من المشاركة والمتمثل في تحقيق والمتمثل في تحقيق الديمقراطية .

كما ان مفهوم المشاركة السياسية كعملية سياسية هو اكثرمن شعاردعائي ترفعه دولة ما أو سمه يتسم بها نظام سياسي في مجتمع معين ، بل هو فلسفة يجب الايمان بها والعمل على ضرورة إجراء خطوات قانونية وتوفير وسائل فكرية وبشرية حتى يتم تحقيق هذه العملية السياسية على أرض الواقع .

المؤشرات الإجرائية للمفهوم

يمكن أن نتناول المؤشرات الإجرائية لمفهوم المشاركة السياسية من خلال التعريف التالي والذي يعد أحد أدق التعريفات. فهو يعنى (مساهمة المواطنين المباشرة او غير المباشرة في عملية اتخاذ القرار في اطار النظام السياسي المحيط ) وتعني :

  • حق المواطن في التصويت
  • حق المواطن في تولى وظائف عامة
  • حق المواطن في المشاركة في عملية اتخاذ القرار

وطبقا لهذا المفهوم فان المشاركة هنا تعنى وجود عدة مستويات للمشاركة تتراوح ما بين السلبية والايجابية المطلقة وهى تختلف باختلاف نظام الحكم من حيث كونه نظام ديمقراطي او استبدادي.

أيضا يمكن ان نشير إلى مؤشرات المشاركة السياسية من خلال مفاهيم أخرى وهي:

  • الترشح لمنصب سياسي وإداري مهم.
  • الانضمام إلى جماعات المصلحة أو منظمات المجتمع المدني.
  • الترشح للمناصب العامة، وتقلد المناصب السياسية.
  • المشاركة في الاجتماعات السياسية العامة.

التنشئة السياسية ومفهوم المشاركة السياسية

هناك ارتباط وثيق بين كلا من مفهوم المشاركة السياسية ومفهوم التنشئة السياسية هذا على الرغم من أن المشاركة السياسية لاتمثل امتداد إلى ظاهرة التنشئة السياسية كظاهرة سياسية . وتظهر العلاقة بين ظاهرة التنشئة السياسية والمشاركة في أنها هي الدافع الأساسي للفرد وراء دخوله في الحياة السياسية في مجتمعه. وهذه التنشئة في حاجة إلى:

التنمية السياسية وهي عملية النمو في بناء المؤسسات وتشجيع الممارسات الديمقراطية ولكنها عادة ما تتعلق بنمو وتعقد وزيادة التمايز بين البني السياسية في المجتمع وفى المجتمعات الأقل تطورا، وتستهدف عملية التنمية السياسية حشد التأييد الجماهيري لبناء نظام سياسي من ناحية وتعزيز مؤسسات وقيم وسلوكيات المشاركة السياسية من ناحية أخرى. كما تهدف التنمية السياسية بشكل عام إلى بناء الديمقراطية التي هي احد صور عملية المشاركة السياسية ومن هنا تظهر العلاقة بين هذين المفهومين.

الثقافة السياسية وهي سمت معين يتعلق بخصائص شعب دولة وما لديه من اتجاهات سياسية ، وقيم حقوقية . أي كل مايتعلق باتجاهات الأفراد نحو النظام السياسي وما يرتبط به من نظم فرعية أومؤسسات ومنظمات مختلفة.

جماعات المصالح وهي جماعات سياسية مهمة في العديد من النظم السياسية وهى تختلف عن الأحزاب السياسية من كونها لا تهدف إلى الوصول للسلطة بل هي تهدف فقط إلى التأثير في السلطة الحاكمة لكي تتخذ قرارات تخدم مصالحها . ومن هنا يمكن تعريف جماعات المصالح على أنها جماعات من أفراد تربطهم مصالح وطنية مشتركة ولها مطالب محددة تجاه الجماعات الأخرى ومؤسسات الدولة المختلفة .

أما عن دور جماعات المصالح في عملية المشاركة السياسية فوظيفتها في كونها تلعب دور كبير في توفير قنوات لمشاركة الأفراد في العملية السياسة، كما أنها تساهم وبشكل كبير في تحقيق الديمقراطية عن طريق الدفاع عن حقوق الإنسان في مواجه أي انتهاكات حكومية سافرة .

مقومات مفهوم المشاركة السياسية

لكي نطلق على مجتمع ما بأنه مجتمع مشارك في الحياة السياسية ، لابد من التطرق إلى مدى ممارسة هذا المجتمع لمظاهر الديمقراطية من حيث الشكل والمضمون على السواء، حيث أن الديمقراطية تعني المشاركة، لا السياسية فقط ، بل كذلك المشاركة الاجتماعية الاقتصادية. أي المشاركة الفاعلة في تسيير شؤون المجتمع والعدل في مسيرة بناء التنمية وتوزيع ثمارها. ذلك أن أي تطور اقتصادي يقوم على القهر والاستغلال هو غير مؤهل لبناء الرفاهة والاستقرار في المجتمع. ومن أهم المقومات التالي:

الانتخابات :وتعرف على أنها نمط من أنماط عملية المشاركة السياسية حيث يعبر عنه فيما يعرف بالتصويت وهو يشير إلى قيام المواطن بالمفاضلة بين متقدمين أو مرشحين للانتخابات العامة أو الدورية. وفائدة هذه العملية من الناحية السياسية أنها تضمن حق التداول السلمي للسلطة وضمان حصول النخب الحاكمة على تفويض شرعي من الشعب بشكل دوري ومنتظم من خلال عملية انتخابية حرة عادلة ونزيهة تضمنها سرية ونزاهة تلك العملية الانتخابية.

سيادة القانون : وهي المقوم الثاني المطلوب لتحقيق الديمقراطية والذي يكفل تحقيق الأمن والاستقرار من خلال تحقيق العدالة والمساواة للجميع تحت القانون، وهي تعني خضوع الحاكم والمحكومين للقانون الموضوع أصلا من نواب الشعب والموافق عليه من ممثلي الشعب ضمن عملية توافقية عبر الأطر التمثيلية التي غالباً ما تكون عبر البرلمان المنتخب من قبل الشعب في العمليات الانتخابية.

الشفافية: تعتبر المقوم الثالث الواجب توفره للديمقراطية وعملية المشاركة السياسية وهي التي تضمن وجود آلية للمحاسبة والمراقبة، من قبل المواطنين لممثليهم المنتخبين من خلال تعرفهم على أدائهم وكيفية قيامهم باستخدام السلطات الممنوحة لهم والتفويض الشعبي الذي مُنح لهم، ولا يمكن لهذه العملية أن تتم إلا من خلال ضمان إطلاع المواطنين الكامل على أداء الممثلين عبر وسائل شفافة تضمن تزويدهم بالمعلومات بشكل دوري وممنهج بدون أي تزييف وهو الأمر الذي يتطلب فتح جلسات البرلمان أمام المواطنين للحضور أو بثها عبر وسائل الإعلام أو نشر محاضر الجلسات للمواطنين، كما يتطلب الأمر السماح للمواطنين بمراجعة أداء حكوماتهم عبر ممثليهم المنتخبين بتقديم الاستجواب والاستفسار للوزراء من أعضاء الحكومة .

وجود أحزاب سياسية حقيقة وفعاله : حيث أن المسيرة الديمقراطية الصحية تتطلب وجود أحزاب سياسية صحية، أي أحزاب ديمقراطية تقوم على القيم والمبادئ الوطنية وتكون متفقة قولا وعملا على تحريم العنف والاحتكار السياسي سواء في أطار الحزب أو السلطة، أي القبول بالانتقال السلمي للسلطة في ظل توفير آلية انتخابات حرة. وتلتزم فعلا بحقوق الإنسان السياسية والاجتماعية، إضافة إلى القبول بالتعددية.

___________

المصدر: منقول بتصرف عن دراسة من إعداد الباحث محمد عادل عثمان – المركز الديمقراطي العربي للدراسات الاستراتيجية والاقتصادية والسياسية.

مقالات

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *