د. محمد بالروين
فى اعتقادى أن من أخطر الازمات التى تواجه المواطن فى أى دولة هى أزمة “فقدان الذات… وضعف الانتماء” وذلك لان فقدان المواطن لذاته وضعف انتماءه هو الذى سوف يجعله عرضة لكل الاخطار ويصبح من السهل السيطرة عليه والاستخفاف بشؤونة والاستهتار بثرواته ومقدراته، وسوف يقود فى نهاية المطاف الى استعباده.
انطلاقا من هذه البديهة ومحاولة لفهم أسباب هذه الازمة والسعى للمساهمة فى علاجها لعله من المناسب ان نركز فى هذه العجالة على الآتي:
ماهية الذات؟
ماهية الانتماء؟
ما هى أهم عناصر اعادة بناء الذات؟
“أولا: “الذات
إن ما أعنيه بالذات هنا هو الذات السياسية وليس الذات بمفهومها العام. وهى تعنى حصيلة كل ما يملكه الانسان من قيم وافكار سياسية وأحاسيس ومشاعر وتصورات، وبعلاقته بالاخرين الذين حوله وبالبيئة التى يعيش فيها.
ولعل من أهم معالم فقدان الذات هو انتشار “ظاهرة السلبية واللامبالة والخضوع المطلق لكل انواع الظلم والاذلال.” بمعنى شيوع ظاهرة الانسان السلبى الرافض للمشاركة فى أى نشاط سياسى مهما كان نوعه وغير المبالى بمن حوله ولا بالنتائج التى يمكن ان تحدت له.
وبمعنى آخر هو انتشار ظاهرة الانسان الأناني والمصلحي والمستغل، والذى يسعى دائما الى أعفاء نفسه من المسؤولية عن العجز والتقصير والبحت فى أسبابه ووسائل علاجة بالقاء التبعة على الآخرين.
“ثانيا: “الانتماء
الحقيقة أن غريزة الانتماء هى من أهم الغرائز التى وضعها الله فى الانسان. ومن هذا يمكن القول بأن الله عز وجل قد جعل الانسان مخلوق منتمى بطبعه ولا يمكن أن يعيش بمفرده. والانتماء هنا يعنى إرتباط الانسان بما يشعر أنه جزء منه ومصدر إعتزاز له.
وبمعنى آخر الانتماء هو الانتساب الى شيء (أو فكر) معين والاحساس بالولاء له. ولعل من أهم مكونات ومستلزمات الانتماء هو الحب. ويمكن اعتبار الانتماء والحب وجهان لعملة واحدة. اذ لا يمكن تصور وجود الانتماء فى مناخ من الكراهية والبغظ.
وعليه فالانسان ينتمى فى العادة الى نفسه ومعتقداته، ثم الى أهله، ثم الى عشيرتة (اوقبيلته)، ثم الى شعبه، ثم الى المكان الذى يقيم فيه. وهنا لابد من التأكيد على أن الانتماء لا يعنى مجرد التقليد الاعمى لكل ما يملكه ويحبه الانسان.
ولا يعنى مجرد قَبول كل ما فى المجتمع من قِيم وأفكار وعادات والافتخار بها حتى ولو كانت خاطئة. ومن جهة أخرى لايعني أيضا مجرد الاعجاب المفرط بما عند الغير والتقليد الاعمى لهم.
فعلى سبيل المثال وفى نفس الوقت الذى يجب أن نعترف به نحن المسلمون (وذلك لأن الاعتراف بالمشكلة هو نصف الحل) بان الغرب قد تقدم علينا فى كل شىء وأصبح مركز لكل النشاطات الاقتصادية والتكنولوجية والسياسية الا أن ذلك يجب ألا يقودنا من جهة أخرى الى التشكيك فى قدراتنا ومعتقداتنا واصالتنا، ولا الى محاولة تقليدهم واتباعهم فى كل شىء. بل يجب أن نعتبر هذا التخلف الذى أصابنا هو مجرد ذليل قاطع على أننا نعيش اليوم أزمة فقدان الذات وضعف الانتماء.
“ثالثا: “عناصراعادة بناء الذات؟
لعل من أهم العوامل المؤثرة فى شخصية الانسان وصناعة (أواعادة صناعة) ذاته هى البيئة الثقافية التى يعيش فيها ذلك الانسان. والحقيقة يمكن إعادة بناء الذات السياسية للمواطن بنشر ما يمكن ان اطلق عليه بـ “ثقافة الانتماء“.
هذه الثقافة تتكون من العديد من العناصر لعل من أهمها:
(1) الايمان الراسخ: بما يعتقد الانسان انه الصواب. بمعنى ان الانسان المنتمي هو الانسان المؤمن بالقيم والافكار التى يعتنقها وبالاساليب التى يمارسها وبالاهداف التى ينادي بها.
(2) الثقة بالنفس: وتعنى إعتقاد الانسان بنفسة ومعرفته لامكانياته وتحديد أهدافه وإدراك مراكز قوته وضعفه. ولعل من أهم معالمها إنفتاح الانسان على الغير دون تردد واعتزازه بنفسه دون تكبر وتخلصه من كل السلبيات والآفات الضارة به وبغيره.
(3) تحمل المسئولية: وتعنى استعداد الانسان لتحمل أعباء القيام (أوعدم القيام) بما يكلف به من اعمال. وبمعنى اخر ان الانسان المنتمى هو الذى دائما مستعد للقيام بكل واجباته وايضا لتحمل كل المسئووليات المناطة به.
(4) أتباع المنهجية العلمية فى العمل والتفكير والسلوك. بمعنى ان الانسان المنتمى هو انسان منهجى بطبعة. ولعل من اهم أساليب المنهجية هو التركيزعند التعامل مع أى مشكلة على أبعادها الاساسية المتعلقة بالسبب والغرض والكيفية. وبمعنى آخر أن الانسان المنهجى هو الذى يتعامل مع المشاكل التى تواجهه بالاجابة على أسئلتها الجوهرية التى يمكن حصرها فى: ماذا؟ ولماذا؟ وكيف؟ ومتى؟
(5) تبنى الافكارالحية: بمعنى أن الانسان المنتمي هو الانسان القادر على التفريق ما بين الافكارالحية والافكارالميتة وهو الذى يبحت دائما عن الافكار الصالحة والمفيدة وأخذها مهما كلف الثمن ومن أى مكان أتت. وهو الذى يؤمن بما يمكن ان نطلق عليه بـ “اشتراكية الافكار” وهى تعنى ان الافكار فى الأصل لا تنتمي إلى أرض معينة ولا إلى جنس محدد وليس لها لون واحد بل هى ملك لكل من يكتشفها ويستخدمها ويستفيد بها.
(6) العمل الصالح: بمعنى أن الوسيلة الاساسية لتقدم الانسان المنتمي هى العمل الجاد والالتزام به. فهو دائما يحب العمل والاعتماد على النفس ويكره كل الذين يقولون ما لا يفعلون. وشعاره قول الله تعالى“وفى ذلك فليتنافس المتنافسون” وهو دائما على استعداد للقيام بكل ما يُطلب منه وتحمّل كل مسؤولياته مهم كلف الثمن.
فى الختام
وباختصار شديد على كل شعب يريد أن ينهض ويتقدم أن يقوم بصناعة ونشر ثقافة الانتماء التى سترسّخ مفهوم الهوية الواحدة والشعور بوحدة التاريخ والوطن والثقافة والمصير المشترك.
وعند تحقيق ذلك سوف يدرك الانسان نفسه وقدراته ويتمكن من بناء علاقات إحترام قوية وسليمة مع كل من حوله ويتحمّل مسؤولياته وينطلق بثقة وإرادة نحو المشاركة الايجابية فى مقاومة كل أنواع الظلم والعدوان وبناء المجتمع الذى يحلم به.
ختاما
لا املك الا أن أدعو كل إنسان يريد الخير لنفسه ولمجتمعه:
ان يعى ذاته … لكى ينتمى.
وان ينتمى … لكى تكن له هوية.
وان تكن هوية واعية … لكى يكون أداة من أدوات الخير ومشعل يضىء الطريق لكل الحائرين.
فهل آن الاوان
ان يرجع كل منا الى ذاته
وان ينتمى الى أصالته ووطنه
وان ينطلق نحو اصلاح ما يمكن اصلاحه
وتغيير ما يجب تغييره.
__________
المصدر: صفحة الكاتب على الفيسبوك