تلخيص المحرر

من الصعب جدا الفصل بين الحرية والمساواة بسبب التلازم الوثيق بينهما، لا سيما وأن مبدأ المساواة هو أصل في كافة أنواع الحقوق والحريات، وإذا كانت المساواة قيمة أساسية من قيم الإنسان، واحترامها لا غنى عنه للسلم ولتقدم المجتمعات، لأن غيابها يؤدي إلى زعزعة الأمن والاستقرار، ويخلق حالة من الإستياء وعدم الرضا في المجتمع، ولذلك نجد أن مبدأ المساواة هو أساس الحرية وجوهرها في مختلف ميادينها.

ويتلخص مبدأ المساواة في إتاحة فرص متساوية بين الأفراد للاستفادة من وضع معين إذا تساوت ظروفهم إزاء هذا الوضع، وعدم التمييز بينهم في الحقوق والواجبات لأي سبب كان، باعتبار أنهم يولدون متساوون في هذه الحياة.

وهذا المبدأ يتفق مع جوهر الحرية في التعبير عن المجتمع الديمقراطي، بل أن مبدأ المساواة هو القوة المحركة للقوى الديمقراطية. ومبدأ المساواة له عدة مظاهر، منها:

أولا: المساواة أمام القانونية

المقصود به خضوع جميع المواطنين الذين تتوفر فيهم نفس الشروط للقاعدة القانونية الواحدة وعدم التمييز بينهم في تطبيق القانون عليهم لأي سبب من الأسباب، سواء بسبب الجنس أو الأصل أو اللغة أو الدين أو العرق، أو المركز، أي أنهم أمام القانون كأسنان المشط ومتساوون من حيث الحقوق والواجبات والمراكز القانونية، إذ القانون بطبيعته يضع قواعد عامة ومجردة لا يراعي فيها الأفراد بذواتهم.

ثانيا: المساواة في الحقوق السياسية

وتعني حقوق المواطنين وحرياتهم السياسية التي تتيح لهم المشاركة في إدارة شؤون الدولة، كحق الانتخاب والتصويت والاستفتاء والترشح وإنشاء الجمعيات السياسية والإنضمام إليها. وهذه الحقوق مقصورة على المواطنين دون الأجانب يمارسونها وفق الشروط المحددة قانونا.

ثالثا: المساواة أمام القضاء

ويقصد به عدم التمييز بين الأشخاص من حيث الوقوف أمام القضاة أو في المحاكم التي تفصل في المنازعات المدنية والإدارية أو الجنائية باختلاف أوضاعهم الاجتماعية، ولا من حيث العقوبات القانونية المقررة على مرتكبي الجرائم. وهذا يعني حق الفرد في اللجوء إلى القضاء الطبيعي، وأن لا يحاكم أمام محاكم استثنائية أو عسكرية أو ثورية أو محاكم شعبية أو سياسية.

كما تعني كفالة اللجوء إلى القضاء للدفاع عن إحدى الحريات دون تمييز بين أفراد المجتمع ضمانة أساسية لكافة الحريات، وبدونها تنعدم الحريات العامة.

رابعا: المساواة في تولي الوظائف العامة في الدولة

وتعني مساواة جميع المواطنين في تولي الوظيفة العامة، وأن يعاملوا بنفس المعاملة من حيث الشروط المطلوبة لتولي وظيفة معينة، ومن حيث المزايا والحقوق والواجبات والمرتبات والتعويضات المحددة لها.

خامسا: المساواة في الانتفاع من خدمات المرافق العامة

يقرر القانون بصفة عامة ضرورة إعمال مبدأ المساواة في الانتفاع بالخدمات العامة التي تقدمها الدولة عن طريق مرافقها العمومية المختلفة، أي أن جميع الأفراد ينالون ذات المعاملة والخدمات ما دامت مراكزهم متماثلة.

سادسا: المساوة في التكاليف والأعباء العامة

في مقابل الانتفاع من الخدمات العامة من الطبيعي أن يقرر القانون مبدأ المساواة في تحمل التكاليف والأعباء العامة، وتبرز في المساواة في واجب الخدمة العسكرية، حيث لا يستثنى منها أحد من المواطنين، مهما اختلفت طبقاتهم ومذاهبهم، إذا ما توفرت في كل منهم الشروط المطلوبة في القوانين المعمول بها في هذا الإطار.

كما يبرز في المساواة أمام الأعباء الضريبية، حيث أصبحت كل أنواع الضرائب مبنية على مبدأ المساواة بين كل الملزمين بالضريبة دون أي تفاوت أو استثناء، وهو ما يعني أنه لا يجوز أن تفرض الضرائب على فئة اجتماعية دون أخرى، ولا أن يثقل كاهل طبقة أو فئة بعبء أكبر من فئة أخرى، وإنما تفرض على أساس مقدار دخل كل مواطن وثروته، مع إمكانية إعفاء ذوي الدخل الضعيف.

***

كما أن الحريات العامة تستمد مضمونها وشرعيتها من مجموعة من المصادر التي تختلف أهميتها وترتيبها ومدى الأخذ بها من دولة لأخرى، ولعل أهمها:

الأول: الأحكام الدستورية والقوانين التشريعية

تعتبر الأحكام التي ترد في دستور الدولة أهم المصادر التي تستند عليها الحريات العامة والحقوق، غير أن الدساتير عادة ما تضع المبادئ والأسس وتترك التفاصيل للقوانين والتشريعات، الأمر الذي يجعل هذه القوانين مصدرا مهما للحقوق والحريات.

أـ الأحكام الدستورية

بما أن الدستور هو القانون الأسمى في الدولة، فهو المصدر الأساسي للحقوق والحريات، وهو الذي يبين القواعد والأحكام التي تضمن الحريات والحقوق في مواجهة السلطة. وباعتبار الدستور في الأساس جاء ليحقق هدفين، هما: تنظيم هيكلة الدولة من خلال توزيع الاختصاص بين مؤسساتها، وضمان حقوق وحريات الأفراد من خلال التقيد بهذا التنظيم والتوزيع. فإن أي دستور مهما كان لونه السياسي لا يخلو من الاعتراف بالحقوق والحريات وحمايتها.

ب ـ القوانين التشريعية

التشريع هو مجموعة القواعد الصادرة عن السلطة التشريعية، وهو الإطار القانوني لنظام الحريات العامة، حيث تنص الدساتير على إعطاء المشرّع العادي سلطة وضع حدود ممارسة الحريات العامة ومتطلبات النظام العام، وتحديد الأعمال التي تشكّل اعتداء على الحريات العامة، وتحديد ضمانات ممارسة المواطنين لهذه الحريات.

والمشرّع عندما يتدخل لتنظيم الحريات العامة وتحديدها لا يعمل على تضييقها والانتقاص منها، وإنما يقوم بتحديدها وتنظيمها حتى يضع على عاتق الإدارة الالتزامات الإيجابية وذلك بتدخلها لحمايتها عن طريق سلطة الضبط الإداري، ولا يجوز للإدارة التعدّي عليها بقرارات ضبطية.

كما أنّ لا يمكن أن يتدخل لتنظيم الحريات التي نظمها الدستور تنظيما نهائيا كتحريم التعذيب للمتهم أو حظر مصادرة الأموال العامة، ولا يمكن أيضا أن يتجاوز الضوابط والقيود التي حددها الدستور لحرية ما، وحتى عندما يفوضه الدستور تفويضا مطلقا لتنظيم حرية، فإنه لا يجب أن يؤدي هذا التنظيم إلى إهدار الحرية أو الانتقاص منها أو جعل ممارستها أمرا شاقا على الأفراد.

وبالتالي فالقوانين التشريعية تنفذ النصوص الدستورية أو تكمّلها مع ضرورة التطابق معها في مضمونها، حفاظا على مبدأ الشرعية وانسجاما مع مبدأ تدرج القوانين.

___________

المصدر: محاضرات في الحريات العامة للدكتور بن بلقاسم أحمد ـ كلية الحقوق والعلوم السياسية ـ جامعة محمد لمين دباغين سطيف 2 ـ الجزائر

مقالات

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *