سليمان مصباح افكيرين
في جو الحرية التي يعيشها الشعب الليبي بفضل ثورة 17 فبراير المجيدة ظهر اتجاه من هنا وهناك يطرح الفدرالية كنظام حكم صالح لليبيا ويزعمون أن هذا الأسلوب من الحكم يحمي الوحدة الوطنية كأنهم يعيشون خارج العصر الذي أصبح العالم فيه قرية صغيرة بفضل العلم والتكنولوجيا ووسائل الاتصال وكأنهم لا يعلمون ان عشرات المدن في العالم الان يزيد عدد سكانها عن عدد سكان ليبيا مرتين او أكثر ومع ذلك تحكم بعميد بلدية او محافظ يكفيهم مثلا : شبرا وهي أحد أحياء القاهرة يزيد عدد سكانها عن اربعة ملايين نسمة أي ثلاث ارباع سكان ليبيا ومع ذلك مازالوا ومنذ عشرة سنوات يكافحون من أجل ان تبقى شبرا محافظة .
ان اللذين يدعون الى الفدرالية لا يذكرون امام الناس الا محاسنها ويغفلون او يتغافلون عن سلبياتها وما أكثرها وبحكم تجربتي ومعايشتي لحكم الفدرالية في الخمسينات والستينيات من القرن الماضي أود ان اوضح سلبيات الفدرالية .
فالفدرالية تعني تقسيم ليبيا الى أقاليم او ولايات لكل أقليم حكومته وبرلمانه وعاصمته وقوانينه التي لا يهم ان تتناقض مع قوانين الاقليم الاخر وكل ما يرمز الى كيانه في كافة المجالات دون اكتراث بغيره اي ان كل أقليم يصبح مثل أقليم كردستان العراق لا علاقة له بما يجري في بقية الوطن ، الفدرالية ضد طبيعة الشعب الليبي والفدرالية خيانة لدماء الشهداء والفدرالية فشلت تاريخياً في ليبيا والفدرالية تفاوت اجتماعي والفدرالية تقسيم للجهود وتفتييت للموارد والفدرالية سبب وجيه لعودة الدكتاتورية والفدرالية خروج عن رائ الاجداد ومخالفة للدين والفدرالية احياء لمشروع بيفن سيفورزا بتقسيم ليبيا .
ان هذه النتائج والحقائق ليست كلاماً عاطفياً او هجوماً على رؤية أحد بل هي انذارات لكل ليبي وليبية بالتمسك بوحدته مهما حدث او يحدث لان البديل سيكون مستقبلاً غامضاً لان العالم القادم يأتي بالمفاجاءات والتغيرات السكانية والبيئية سوف يتضاعف السكان حولنا وسوف تجف البحيرات وتنقص الانهار ويزحف التصحر على المنطقة ويموت الكثير من النبات والحيوان والبشر وايبيا ستكون منطقة جاذبة ستواجه الرياح وهي متفرقة ونستعرض باختصار توضيحاً لما ذكرناه آنفاً وهي :-
1-الفدرالية ضد طبيعة الشعب الليبي
فالشعب الليبي بطبيعته متواصل متواد متلاحم يتأثر بعضه ببعض يقولون في الشرق اذا اصاب بنغازي نزلة برد تعطس الزاوية في الغرب وهذا ما حدث في ثورة 17 فبراير فقد تسابقت مدن الغرب والجنوب في الزنتان والزاوية ومصراتة وطرابلس ونالوت وزليتن والقطرون ومرزق والرجبان وغيرها تسابقت في الانتفاضة تضامناً مع اخوتهم في الشرق عندما رأوا دماءهم تسيل ولعل ابلغ صور التضامن بين الشعب الليبي استقبال بعضهم بعضاً اثناء النزوح وتنازل أهل السكن عن سكنهم للنازحين وكذلك مساعدة اهل المدن المحاصره لمن تقطعت به السبل من المدن الاخرى وحمايتهم وتهريبهم رغم المخاطر فالليبيون تراهم يتزاورون ويتناسبون ويتصالحون بعضهم مع بعض من الغرب الى الشرق ومن الجنوب الى الشمال في الفة ومودة فالشعب الليبي اسرة واحدة كبيره لا يستطيع بعضه العيش بدون البعض الاخر والفدرالية لا تحقق ذلك لانها ضد طبيعة الشعب الليبي .
2-الفدرالية خيانة لدماء الشهداء
فلعل اكبر دليل يؤكد تضامن الليبيين هو تطوع مئات الشباب للقتال مع اخواتهم في غير مناطقهم واستشهادهم او جرحهم هناك ، لقد عمدوا بدمائهم وحدة ليبيا وستكون خيانة وهدر لدم الشهداء مجرد طرح الفدرالية كأسلوب حكم لليبيا .
3-الفدرالية فشلت في ليبيا تاريخياً
ذلك بأن المجاهدين عندما توحدوا في معركة القرضابية عام 1915م انتصروا على الطليان وعندما تفرقوا بعدها انفرد الايطاليون بالجمهورية الطرابلسية وبامارة برقة وبفزان وقضوا عليهم واحداً بعد الاخر وعندما طبقت الفدرالية بعد قيام المملكة عام 1951م ظهرت المشاكل بين الولايات وبين الولايات والحكومة الاتحادية وحدث التناقض والضعف ولم يتمكنوا من بناء جيش قوي ولا مجتمع مدني مما سهل على القذافي القيام بحركة 01/09/1969م .
4-الفدرالية تحدث التفاوت الاجتماعي بين الاقاليم
لان الاقليم الذي توجد به موارد اكثر يكون أحسن حالا واهله احسن حال من الاقليم الاخر ويستمر التفاوت بينهم وهذا ظلم لايقبله عاقل لان ليبيا لنا جميعاً ودافعنا عنها جميعاً كيف يقبل ليبي بهذا يجب ان نعيش معاً الخير في وقت الخير والشر إذا حدث .
5-الفدرالية تقسيم للجهود وتفتييت للموارد
ولعل أوضح دليل على ذلك سيكون في المواد الخام والصناعة ووسائل النقل والجامعات ومراكز البحوث لان كل أقليم يريد ان يرسم سياسته بنفسه ويتصرف في حاجاته ويسيطر على طرقه ومطاراته وتحدث المشاكل والقضايا أمام المحاكم في تنازع السلطات وسيكون المواطن الليبي هو المتضرر الأكبر .
6-الفدرالية مبرر وجيه لعودة الدكتاتورية من جديد
فإذا حدث وطبقت الفدرالية فسوف يظهر في المؤسسة العسكرية او غيرها من يحاول عمل انقلاب عسكري هدفه توحيد البلاد وسيجد له من يناصره وتعود ليبيا من جديد الى عهد الدكتاتورية .
7-الفدرالية إحياء لمشروع بيفن سيفورزا بتقسيم ليبيا
فقد ظهر هذا المشروع في منتصف الاربعينات من القرن الماضي حيث اجتمع بيفن وزير خارجية بريطانيا مع سيفورزا وزير خارجية ايطاليا واتفقوا على تقسيم ليبيا الى ثلاث مناطق برقة وتتبع بريطانيا وطرابلس وتتبع ايطاليا وفزان وتتبع فرنسا وقد قاوم الليبيون هذا المشروع واسقطوه واستقلت ليبيا عام 1951م ومن يدري ان يعود هذا المشروع اذا طبقت الفدرالية وقسمت ليبيا وحدث بها مشاكل لسبب او لاخر خاصة واذا تم التفاهم مع دول المنطقة وتلاقت المصالح وفي السياسة لا يوجد شئ اسمه المستحيل
8-الفدرالية خروج عن رائ الاجداد ومخالف للدين
فقد ورثنا ليبيا موحدة وحدها اجدادنا بعد كفاح طويل وتطبيق الفدرالية عودة الى الوراد وخروج عن رائ الاجداد ومخالف لقوله تعالى (( واعتصموا بحبل الله جميعاً ولا تفرقوا)) فاذا لم نستطيع توحيد امتنا فعلينا على الاقل الحفاظ على حالنا وعدم تقسيم المقسم وتجزئة المجزأ.
وختاماً انني متأكد ان هذه هي قناعة الاغلبية الساحقة من الليبيين في التمسك بوحدتهم الوطنية ولكن الذي يؤرقني هو الاستهزاء بقدرة الاقلية ذات التوجه الفدرالي ويتركها تنشر افكارها ويساعدها على ذلك اعلام غير راشد ونظرة ضيقة عند بعض الناس في بعض الامور في بعض المناطق.
ويقول المثل الهدام يغلب مية بناي .
فهل قرأتم ما قرأت ورسخ في رؤسكم ما رسخ في رأسي .
وحماك الله يا طرابلس وحماك الله ياليبيا
سليمان مصباح افكيرين ـ أمين تعليم وموجه اجتماعات سابق ـ اجدابيا
______________
فيسبوك