من رجال عهد الاستقلال: البي غيث عبدالمجيد سيف النصر .. والي فزان عام 1962
هو ابن السيد/ عبدالمجيد سيف النصر الذي كان أحد حكماء عائلة سيف النصر وأحد الشيوخ البارزين في قبيلة أولاد سليمان. وعائلة سيف النصر من العائلات المعروفة جداً في ليبيا حيث وقفت في وجه العائلة القرمانليّة في فترة حكمها لليبيا خلال القرن الثامن عشر الميلادي، وقاومت الفساد الذي أصاب الخلافة العثمانيّة في أواخر عهدها وحاربت المستعمر الإيطالي بتنسيق وتعاون تام مع القيادة السنوسيّة قائدة الجهاد في إقليم برقة.
وعائلة سيف النصر هم زعماء قبيلة أولاد سليمان، وهي القبيلة المتمركزة على الخط الممتد بين منطقة الوسط (سرت) إلى منطقة الجنوب الليبي (فزّان ). وقد أُورد السيد/ مصطفى أحمد بن حليم بخصوص آل سيف النصر في صحيفة الشرق الأوسط اللندنيّة في العدد رقم 5571 الصادر بتاريخ 28 فبراير 1994م، ما يلي..(.. قامت عائلة سيف النصر بواجبها الوطني في الجنوب الليبي حينما غزت الجيوش الإيطاليّة ليبيا. وبعد انتصار الطليان على المقاومة في الجنوب الليبي، لجأ أغلب آل سيف النصر وبعض القبائل المتحالفة معهم إلى تشاد، وبقوا هناك إلى أنّ دعاهم الأمير محَمّد إدريس ( المرحوم الملك إدريس) سنة 1940م ليتعاونوا معه لطرد الطليان من ليبيا، فانضمَّ آل سيف النصر إلى قوات فرنسا الحرّة في تشاد، ودخل السيد/ أحمد سيف النصر على رأس المهاجرين الليبيّين إلى فزّان مع قوات الجنرال “لوكليرك“.
أمّا بقيّة آ ل سيف النصر الذين لجأوا إلى مصر، فقد كان لهم دور في تكوين الجيش السنوسي 1940م. ولهذه الأسباب، ولولائهم للحركة السنوسيّة، ومكافأة لهم على وطنيتهم وتضحياتهم، جعل الملك إدريس منصب والي فزّان وقفاً على آل سيف النصر طوال العهد الملكي..). أو على وجه أدق إلى 27 أبريل 1963م تاريخ إلغاء نظام الولايات الإتحادي “الفيدراليّة ” إلى النظام الوحدوي.
وقد تداول على منصب والي فزّان من ديسمبر 1951م إلى تاريخ إلغاء النظام الإتحادي في أبريل من عام 1963م، كل من:– السيد/ أحمد سيف النصر (1951م إلى 1954م)… السيد/ عمر سيف النصر (1954م إلى 1962م )… السيد/ غيث عبدالمجيد سيف النصر (1962م إلى 27/4/ 1963م ).
وبالإضافة إلى منصب والي فزّان فقد تقلد أشخاص من عائلة سيف النصر العديد من الوظائف والمناصب الهامّة في المملكة الليبيّة، ومن بين أولئك الأشخاص.. السيد/ سيف عبدالجليل الذي شغل منصب نائب والي فزّان ورئيس المجلس التنفيذي للولايّة من عام 1952م إلى 1963م ثمّ وزيراً للدفاع أكثر من مرة…. السيد/ غيث عبد المجيد سيف النصر كان أخر والي لفزّان ثمّ عُينَ محافظاً.
وبعد ذلك أُرسلَ في عام 1968م سفيراً لليبيا لدى تشاد وبقى في منصبه حتى إنقلاب سبتمبر 1969م…. السيد/ محَمّد سيف النصر انتخب عضواً في مجلس النواب…. السيد/ سالم سيف النصر كان عضواً في مجلس الأمّة واختير في ستينيات القرن المنصرم ليكون من بين أعضاء “لجنة البترول ” التي كان يترأسها السيد المرحوم/ محَمّد السيفاط بوفروة….. وربّما غيرهم.
ولد السيد/ غيث عبدالمجيد سيف النصر في عام 1928م في تشاد. وهو سنوسي أباً عن جد فقد استشهد جده السيد/ غيث سيف النصر دفاعاً عن إحدى زوايا السنوسيّة في تشاد – زاويّة بير علالي بمملكة كانم مركز السنوسيّة بتشاد.(((الذي استشهد في معركة بير علالي هو السيد غيث عبد الجليل سيف النصر وليس جده
جده توفي بجبل ودان او جبل الرواغة وفيها دفن رحمه الله وغفرله) وكان عدد الشهداء في معركة الدفاع عن زاويّة بير علالي عام 1902م حوالي مائة شهيد، منهم: الشيخ/ غيث سيف النصر ..الشيخ/ محمّد البراني ( شيخ الزاويّة ). وللسيد/ غيث عبدالمجيد سيف النصر ثلاثة أخوة، والسادة هم: محمود، منصور، أحمد.
تزوج في منتصف خمسينيات القرن المنصرم من السيدة/ فاطمة بنت السيد/ محمّد بيه سيف النصر. وتزوج من السيدة /فاطمة بنت الحاج/السنوسي الرويعي خاله و شقيق امه الحاجة وافية عبدالكريم..نشأ الحاج غيث سنوسياً وربطته علاقة روحيّة بملك ليبيا الراحل/ محَمّد إدريس بن محَمّد المهدي السنوسي. وكان ولاء آل سيف النصر للحركة السنوسيّة وللسادة السنوسيين ولاءً كاملاً ومعروفاً لدي كافة الليبيّين. أنجب الحاج/ غيث عبدالمجيد من السيدة/ فاطمة الرويعي اثنان من ألاولاد، والسادة هم: عبدالمجيد، عبدالحميد، و له من زوجته الثالثة ولد وهو السيد/عيسى.
تولى الحاج/ غيث سيف النصر منصب والي فزّان من ديسمبر 1962م إلى أبريل 1963م (تاريخ إلغاء النظام الاتحادي). عُينَ محافظاً لمحافظة فزّان في أبريل 1963م، ثمّ سفيراً لليبيا لدى تشاد في عام 1968م وظل في منصبه إلى سبتمبر 1969م تاريخ استيلاء القذافي على السلطة.
وقد سجن السيد/ محَمّد بك سيف النصر بعد إنقلاب سبتمبر 1969م مباشرة. والسيد/ محَمّد بك سيف النصر هو بطل معركة تاقرفت وزعيم المنطقة الوسطى وفزان، والذي اشتهر بين القبائل وعموم الليبيين باسم (البي محَمّد ). قاده الانقلابيون فجر الانقلاب إلى السجن ومكث في الاعتقال عدة سنوات.
وجاء في مقالة: “البي محَمّد سيف النصر بطل تاقرفت” للأستاذ/ بوخزام العناني المنشورة على موقع “الإنقاذ“، ما نصه..(.. وبعد قيام الإنقلاب أعتقل ومكث في السجن عدة سنوات ، تعرض خلالها لسوء المعاملة والتعذيب الجسدي والنفسي ، فلم توضع ترتيبات أمنيّة مشددة وصارمة لأيّ من رجالات العهد الملكي كما وضعت للبي محمد سيف النصر، ولم يحرص الانقلابيون فجر الإنقلاب على أمر كحرصهم على التأكد من اعتقال البي محمد سيف النصر، والتأكيد على وجوده في المعتقل، ويعتقد الكثير من المراقبين وممن يعرفون محمد سيف النصر حق المعرفة : لو أنّ محمد سيف النصر كان في سبها يوم الانقلاب، أو لم يتمكن الإنقلابيون من مباغتته والقبض عليه لتعسّر على الانقلابيين السيطرة على البلاد وربّما كان من الممكن أنّ يفشل الانقلاب لأنّ كاريزما وإمكانيات الزعامة التي تمتع بها السيد/ محمد بك سيف النصر كانت ستفلح في جمع الرافضين للإنقلاب وتنجح في إفشاله ..).
يعتبر الحاج/ غيث عبدالمجيد سيف النصر الأب المؤسس لحركة الرفض المناهضة لنّظام القذافي الإرهابي في الخارج لأنّه عارض الإنقلاب منذ يومه الأوّل ولجأ إلى الخارج معارضاً في النصف الأول من عام 1970م أيّ بعد قيام الإنقلاب بشهور.
اتهمته سلطات القذافي الاستخباريّة بالضلوع في محاولة لقلب نظام الحكم وأطلق النّظام على تلك المحاولة اسم ( محاولة سبها). ربطت سلطات القذافي الاستخباريّة المحاولة بعلاقة ما تربطها بجهات أجنبيّة وبشخصيات محسوبة على النّظام الملكي، وبالسيد/ عبدالله عابد تحديداً.
وتؤكد بعض المصادر بأنّ الحاج/ غيث سيف النصر عبدالمجيد لم يكن ضمن مجموعة السيد/ عبدالله عابد السنوسي إنما رُبطت مجموعته بمحاولة عابد لأنّ مدينة سبها كانت الساحة الرئيسيّة لتحرك قادة المحاولتين.
ففي الوقت الذي كان الحاج غيث يعد مع مجموعته مشروعاً للإطاحة بنّظام القذافي، تمكنت سلطات المخابرات من إكتشاف محاولة السيد/ عبدالله عابد السنوسي ( محاولة سبها)، ومن خلال ذلك وصلت إلى مجموعة الحاج غيث سيف النصر، فربطت المحاولتين بالسيد عبدالله عابد لحاجة في نفس نظام القذافي !.
تمكن الحاج/ غيث سيف النصر عبدالمجيد من مغادرة ليبيا قبل أنّ تلقي سلطات المخابرات القذافيّة القبض عليه، وقبضت على آخرين وسجنتهم، وظلوا رهن الاعتقال حتى مارس 1988م. وقد توفي شخصان من المجموعة التي تمّ إلقاء القبض عليها حيث…(.. توفى تحت التعذيب في ديسمبر 1970م ( الملازم أول/ أبوحليقة دخيل الشريدي، والملازم أول/ محمد الطاهر القطروني..)، حسبما ورد في تقارير كتاب ( انتهاكات حقوق وحريات الإنسان الليبي) الصادر عن الجبهة الوطنية لإنقاذ ليبيا في عام 1999م.
ويذكر أنّ الحاج/ غيث سيف النصر قام – وبعد إنقلاب القذافي مباشرة – بإجراء اتصالات متعددة مع مدنيين وعسكريين محذراً إياهم من مغبة السكوت عمّا وقع في الأول من سبتمبر 1969م، وتنقل بين المدن والقرى الليبيّة المختلفة لأجل إنضاج موقف موحد من سلطة سبتمبر اللاشرعيّة. وقام هو ومجموعة من زملائه بالإعداد لمحاولة لقلب نّظام القذافي، وذلك في عام 1970م.
تنقل الحاج/ غيث عبدالمجيد سيف النصر منذ خروجه من ليبيا في مايو 1970م بين دّول عربيّة وأفريقيّة عديدة، من تشاد إلى النيجر ثمّ تشاد وبعد ذلك المملكة المغربيّة وجمهوريّة مصر العربيّة ليعود مجدداً إلى تشاد. واستقر منذ بدايّة عام 1992م في الولايات المتحدة الأمريكيّة، ولازال مقيماً بها إلى تاريخ كتابة هذه السطور في مايو 2005م.
تمكن الحاج/ غيث سيف النصر في مايو من الخروج من ليبيا قبل أنّ تلقي أجهزة القذافي القبض عليه، وبدأ منذ اليّوم الأوّل من وصوله إلى ديار المنفى بإجراء اتصالات مكثفة بكافة الليبيّين المتواجدين في الخارج وبمحاولة إيجاد ثغرة ينفذ من خلالها إلى داخل ليبيا لأجل إسقاط نّظام القذافي.
وبعد تأييد القذافي للمحاولة الفاشلة ضد الملك الحسن في المغرب التي قادها الجنرال الصخيرات في صيف 1970م، وتأييده للمحاولة الإنقلابيّة الثانية بقيادة الجنرال أوفقير في عام 1971م، ثمّ تورطه ( نّظام القذافي ) والنظام الجزائري في عام 72/ 1973م في دعم التمرد الذي وقع في بعض المناطق الجبليّة في المملكة المغربيّة، تمكن الحاج غيث من إقناع السلطات المغربيّة بدعم محاولة ليبيّة تستهدف نّظام القذافي.
انطلقت تلك المحاولة في عام 1973م من المغرب نحو الهدف إلاّ أنّها لم تصل إلى هدفها النهائي وتمكن القذافي من إجهاضها وقدم إلى ملك المغرب كافة التعهدات وأغدق على خزينته الملايين من الدولارات فأعادت المغرب علاقاتها مع القذافي وكان ذلك على حساب القوى الوطنيّة الليبيّة في الخارج.
استمر الحاج غيث في عمله الوطني النضالي وقام بزيارات لدول عربيّة وأجنبيّة عديدة قصدَ خلق إجماع وطني وتجميع القوى الوطنيّة في عمل جبهوي يستهدف نّظام القذافي الحاكم في ليبيا. واتصل بشخصيات وطنيّة عديدة، منها على سبيل المثال لا الحصر: الاتصالات التي أجراها في المغرب مع الأستاذ/ فاضل المسعودي والأستاذ الشهيد / محمّد مصطفى رمضان.. وغيرهم.
تمّ الاتصال بينه وبين الدكتور/ محَمّد يوسف المقريف بعد استقالة الثاني من منصبه كسفير لليبيا لدى الهند في عام 1980م. اشترك مع د/ محَمّد المقريف وبعض الرفاق الآخرين في تأسيس الجبهة الوطنيّة لإنقاذ ليبيا، وذلك في 7 أكتوبر 1981م.
شارك في كافة مناشط الجبهة الوطنيّة لإنقاذ ليبيا وتحركاتها منذ إعلانها في أكتوبر 1981م. اعتقلُ ابنه السيد/ عبدالمجيد بعد أحداث مايو التي قامت بها الجبهة في مايو 1984م، وظل رهن السجن والاعتقال حتى مارس 1988م.
انتخب الحاج/ غيث سيف النصر نائباُ للدكتور/ محَمّد يوسف المقريف ( الأمين العام) في أول مجلس وطني تعقده الجبهة الوطنيّة لإنقاذ ليبيا، والذي انعقد في المملكة المغربيّة في عام 1982م. أُعيد انتخابه كنائب للأمين العام مرتين متتاليتين، الأولى في الدورة الثانية للمجلس الوطني الذي انعقد في بغداد عام 1985م، والثانية في مدينة دلاس بولاية تكساس بالولايات المتحدة الأمريكيّة وذلك حينما انعقدت جلسات الدورة الثالثة للمجلس الوطني في شهر أبريل من عام 1992م.
أصر د/ محَمّد المقريف على تولي الحاج غيث سيف منصب نائب الأمين العام إلاّ أنّ الحاج رفض أنّ يتولى هذا المنصب في عام 1992م رّغم انتخابه كنائب أوّل للأمين العام.
ظل الوضع هكذا على ما هو عليه إلى أنّ استقال د/ محمّد المقريف من موقعه كأمين عام للجبهة الوطنيّة لإنقاذ ليبيا في صيف 2001م. قُبلت استقالة المقريف وانتخب الأستاذ/ إبراهيم صهد في أغسطس 2001م أميناً عاماً للجبهة للإنقاذ.
عقدَ المكتب الدائم للجبهة الوطنيّة لإنقاذ ليبيا في مارس 2004م – وبعد تعذر إنعقاد المجلس الوطني – اجتماعاً موسعاً حضره أعضاء اللجنة التنفيذيّة وأعضاء المكتب الدائم فاختير الأستاذ/ مفتاح الطيّار نائباً للأمين العام، وأُعيدَ إنتخاب الأستاذ/ إبراهيم صهد أميناً عاماً للجبهة الوطنيّة لإنقاذ ليبيا.
الحاج/ غيث عبدالمجيد سيف النصر قوي الإيمان، شديد العزم، ثاقب النظر، قليل الكلام يعمل دائماً في صمت تام. يستحيل أنّ تسمع منه شكوى كسائر المهاجرين والمنفيين الذين يشتكون أحياناً من الظروف السيئة التي يمرون بها.
يحترم مواقف الرجال، وإن اختلف معهم في الرأي، ولذا لم يسجل عليه أنّه تطرف برأيه مع رفيق من رفاق الطريق أو دخل في معركة مع رفاقه حيث سخرَ كلّ جهده ووقته من أجل إنقاذ ليبيا من حكم القذافي المدمر المُهلك للحرث والنسل.
عملَ ويعملَ من أجل توحيد صفوف معارضي القذافي في الخارج، وعلى شد عزائمهم وتقويّة الصلات والروابط بينهم. ولم يستطع القذافي بكلّ جبروته وطغيانه أنّ يصرفه عن خندق أعداءه أو يهزمه نفسياً أو يؤثر على معنوياته، فظل موقفه موقفاً ثابتاً من القذافي ونّظامه، بل، ظل متفائلاً طوال كلّ هذه السنوات باقتراب ساعة الخلاص من هذا النّظام البائس المتخلف.
رحم الله الحاج / غيث عبدالمجيد سيف النصر
_____________
بقلم رئيس المجلس الاعلي لقبيلة اولاد سليمان
المصدر: حساب الفيسبوك الخاص بـ “سبها أولاد سليمان“