مريم الحامدي
ملخّص:
إن تركة القذافي السياسية كانت كمثل الصحراء البلقع يملأها الفراغ ويلفّها الخوف من شعارات تعني ما تقول ” من تحزّب خان” ومازال الليبيون بعد الثورة يعيشون على صدى الماضي القريب رغم توفير الثورة لأشراط الحرية والعمل الحزبي في ليبيا إلا أن الحياة الحزبية فيها تعرف جملة من المصاعب والمعوقات لأسباب تاريخية وأخرى مرتبطة بالواقع الحالي ولا يمكن الحديث الآن عن حياة حزبية حقيقية نشطة وفاعلة على الساحة.فمعظم الأحزاب قد تشكلت حديثا .
مقدمة:
لم تعرف البلاد الليبية منذ الاستقلال سنة 1951 نشأة أي حزب أو نشاطه بفعل حالة الحظر في العهد الملكي وفي عصر معمر القذافي. وغياب الخبرة التاريخية مما يؤثر بقوة اليوم على أداء الأحزاب السياسية إلى جانب حالة الفوضى القائمة التي طغت عليها الميليشيات العسكرية وسلطة القبائل والمال السياسي. وهذه معوقات أساسية أمام تنضيج العمل الحزبي.
الحياة الحزبية في ليبيا
إن العارفين بالساحة الليبية يدركون الحياة الحزبية التي لن تستقر ولن تنضج إلا بعد عشر سنوات على الأقل من استقرار البلاد كي تتراكم الخبرة الضرورية للأحزاب السياسية. ولكن هذا لا يمنع من القول أن هناك أحزاب تؤثر بقوة في الحياة السياسية وتتعامل مع الأطراف الدولية والداخلية ولها قواعدها الشعبية ومقارباتها السياسية المعبرة عنها ولكن في غياب تقاليد العمل السياسي والحزبي المرتكز على صراع البرامج والأفكار.
فالأحزاب الليبية لازالت تتلمس الطريق وسط ساحة متشظية غير مناسبة على الإطلاق لنضوج حياة سياسية حقيقية.
ففي ليبيا يختلط الحزبي بالعسكري بالقبلي بالجهوي وهذا يؤثر كثيرا على أداء الأحزاب التي تجد نفسها في أغلب الحالات مرتهنة إلى جهة من هذه الجهات دون القدرة على التعاطي السياسي مع الواقع وفق رؤية وتصور وبرنامج يطرح بدائل حقيقية لمتطلبات الواقع على الأرض.
وليس هذا فحسب فأغلب الأحزاب في ليبيا تعرف المشاكل التنظيمية بفعل غياب الخبرة في التأسيس والتنظم .ويمكن اعتبار حزب العدالة والبناء الحزب الوحيد في ليبيا الذي يمتلك مؤسسات منتخبة تشرف عليه وتديره ولذلك بقي هذا الحزب متماسكا رغم أنه أكثر حزب تعرض للتشويه والتآمر عليه بعكس حزب تحالف القوى الوطنية الذي فاز في أول انتخابات بعد الثورة وساهم بقوة في المرحلة السابقة ولكنه عرف جملة من الإنشقاقات أثرت على أدائه وعلى حضوره في الحياة السياسية .
وعموما يمكن القول إن حضور الأحزاب في الحياة السياسية لازال دون المأمول في بلد نجح في القضاء على الدكتاتورية ويطمح لبناء دولة القانون والمؤسسات والتداول السلمي على السلطة وفق الآلية الديمقراطية التي تعتمد على الأحزاب السياسية
أولا: الأحزاب الوطنية الفاعلة على الساحة:
إن المعطيات المذكورة آنفا لا تنفي وجود جملة من الأحزاب تؤثر في الواقع العام في البلاد وتشتغل بقوة ولها امتدادها الشعبي وحتى العسكري رغم المشاكل التي تعرفها في بنيتها التنظيمية. إن الأداء من حيث الحضور على الأرض ومن حيث الفاعلية السياسية يختلف من حزب إلى آخر . وسنحاول في هذا النص جرد الأحزاب الفاعلة مع تعريف مقتضب بكل حزب ثم الأحزاب التي هي في حكم الانقراض وأسباب ذلك.
إن الأحزاب الفاعلة على الساحة مختلفة المشارب والمرجعيات ولكن عددها محدود مقارنة بالطفرة التي حدثت عقب الثورة. وهذه الأحزاب كالتالي :
تحالف القوى الوطنية: هو حزب ليبيرالي تأسس بعد الثورة ومؤسسه السيد محمود جبريل رئيس المكتب التنفيذي للمجلس الوطني الانتقالي الذي قاد الثورة . فاز الحزب في انتخابات المؤتمر الوطني العام سنة 2012 وحقق نتائج مهمة في انتخابات البرلمان سنة 2014 . هذا الحزب المرتبط باسم رئيسه والمشكل من قرابة أربعين حزبا وجمعية عرف مشاكل كبيرة في السنوات الأخيرة أضعفته كثيرا وأثرت على أدائه مما اضطره إلى عقد مؤتمر في الأردن لتجديد قيادته وتغيير اسمه ليصبح” التيار الوطني“
حزب العدالة والبناء : هو حزب ذو مرجعية إسلامية ويعتبر الذراع السياسي لحركة الإخوان المسلمين. تأسس الحزب سنة 2011 وفاز بالمرتبة الثانية في انتخابات المؤتمر الوطني العام . أما نتائجه في انتخابات البرلمان فقد كانت ضعيفة. إنه أكثر الأحزاب تنظما من حيث الهيكلة ولم يعرف انشقاقات كبرى رغم مغادرة بعض قياداته . ويعيش الحزب اليوم مشاكل كبيرة نتيجة التجاذبات الداخلية على خلفية المؤتمر الثالث الذي أجل إلى زمن غير معلوم
حزب الجبهة الوطنية: تأسس الحزب سنة 2012. وهو مرتبط بالجبهة الوطنية لإنقاذ ليبيا المعارضة سابقا لنظام القذافي والتي تأسست في الخارج سنة 1981 . يصنف حزب الجبهة الوطنية مع الأحزاب الوطنية. ويطالب بحكومة ديمقراطية ومدى معينا من اللامركزية معارضا في الوقت نفسه للنظام الفيديرالي. وبرنامج الحزب إعادة اعمار ليبيا بإرساء نظام ديمقراطي. شارك الحزب في انتخابات المؤتمر الوطني العام وفاز بمقعدين . ولازال له حضور فاعل إلى اليوم بفعل قياداته المتمرسة في العمل السياسي .
التجمع الوطني الليبي: وهو يمثل ثوار فبراير . وتأسس نهاية 2018 بعد أن أدرك الثوار ضرورة نبذ الفرقة وتنظيم صفوفهم في هيكل يمثل مشروعهم السياسي والحقوقي . وقد تم مؤخرا اختيار القيادة السياسية له وسيكون فاعلا بقوة في المشهد في قادم الأيام وسيملأ فراغا كبيرا في الساحة السياسية.
تجمع المشروع الوطني: تأسس هذا التجمع في بداية 2018 ويرأسه الدكتور محمود الفطيسي وزير الصناعة في حكومة السيد عبد الرحيم الكيب . هذا التجمع المحسوب على فبراير يضم في قيادته مجموعة من الوزراء السابقين ويحمل برنامجا سياسيا واقتصاديا واعدا . يتحرك هذا التجمع بخطة منتظمة ويعمل على جلب الأنصار ويتواصل مع الفعاليات السياسية في الداخل ومع البعثة الأممية ويؤمن بالحل السياسي وبالتداول السلمي على السلطة وبدولة القانون والمؤسسات ويرفض عسكرة الدولة
الائتلاف الدستوري: تأسس الائتلاف سنة 2018 ويقوده الدكتور عبد الحميد النعمي أستاذ العلوم السياسية ووزير الخارجية في حكومة الإنقاذ الوطني سنة 2015 . يعمل هذا الحزب الذي أصبحت له قاعدة شعبية على تكريس دولة القانون ورفض العسكرة . ويؤمن بالمرجعية الدستورية الذي يسعى إلى تكريسها كضمانة لبناء ليبيا جديدة. يضم الحزب في قيادته شخصيات سياسية مهمة وهو محسوب على تيار الثورة
التكتل الوطني الديمقراطي : ويقوده الدكتور على الصلابي. تأسس التكتل بداية سنة 2018 .تستند مرجعية الحزب إلى فكرة المصالحة الوطنية الشاملة وهو يشتغل على هذا الملف وتمكن من تكوين قاعدة شعبية مهمة بالنظر لسمو الفكرة . يضم الجزب في قيادته شخصيات من مرجعيات مختلفة تجتمع حول فكرة التعايش بين الليبيين بعيدا عن العنف والإقصاء .هذا الحزب يرفض العسكرة ويؤمن بدولة القانون والمؤسسات.
حزب الوطن : تأسس الحزب سنة 2012ومؤسسه السيد عبد الحكيم بالحاج رئيس المجلس العسكري لمدينة طرابلس بعد الثورة . فاز الحزب بمقعدين في انتخابات المؤتمر الوطني العام وهو حزب محسوب على ثورة فبراير . لازال له حضور على الساحة وتعمل قيادته من الخارج وينسق سياسيا مع التجمع الوطني الليبي وهو حزب إسلامي المرجعية ومتأثر بتصور حركة النهضة في تونس.
حزب الاتحاد من أجل الوطن : برز هذا الحزب بصفة جلية عند فترة رئاسة مؤسسه السيد عبد الرحمن السويحلي للمجلس الأعلى للدولة ثم خفت بريقه بعد ذلك . تأسس الحزب سنة 2016 ولا يحظى بامتداد جماهيري مهم وهو يكافح اليوم من أجل البقاء. يضم الحزب في قيادته وجوها سياسية وإعلامية معروفة على غرار المحلل السياسي صلاح البكوش. وهو من الأحزاب المحسوبة على ثورة فبراير
حزب الرسالة: هو حزب ذو مرجعية إسلامية . تأسس الحزب سنة 2012 وفاز بمقعدين في انتخابات المؤتمر الوطني العام .ومؤسسه السيد محمد العماري عضو المجلس الرئاسي . يعرف هذا الحزب انكماشا في الأداء ولا يحظى بقاعدة جماهيرية كبيرة ويصارع من أجل المشاركة في الاستحقاق الانتخابي القادم
حزب التغيير: تأسس الحزب سنة 2012 ومؤسسه السيد جمعة القماطي وهو حزب ليبرالي التوجه وحزب نخبوي ومحدود الانتشار والفاعلية السياسية رغم العلاقات الواسعة لمؤسسه . يظل هذا الحزب يصارع في الواقع ولا يبدو أنه سيكون له حضور في المستقبل
ثانيا: أحزاب وهيئات النظام السابق المعادية لثورة فبراير
التجمع الليبي الديمقراطي : تأسس هذا التجمع نهاية 2018 ويقوده رجل الأعمال المعروف حسن طاطاناكي . وهو تجمع لشخصيات ولأحزاب صغيرة . التجمع ذو توجه ليبرالي ومعاد للتيار الإسلامي . سيعتمد هذا التجمع على المال للتمدد وكسب الأنصار. وبفعل حداثة النشأة مازال هذا الحزب غير مؤثر في الساحة السياسية رغم العلاقات الكبيرة لمؤسسه مع قوى في الداخل والخارج .
الجبهة الشعبية : هو حزب محسوب على أنصار النظام السابق ويمثل خط سيف القذافي الذي لا يقوده عمليا. تأسست الجبهة سنة 2016 وانطلقت كميليشيا عسكري حيث أسر قائدها مبروك احنيش في عملية جنوب العاصمة سنة2017 . أعلنت الجبهة أنها سترشح سيف القذافي للانتخابات الرئاسية القادمة. هذه الجبهة أو تنشط على الساحة ولها أنصار يؤمنون بمشروع ليبيا الغد الذي اشتغل علية سيف القذافي قبل الثورة
جبهة النضال الوطني: ومؤسسها السيد احمد قذاف الدم المحسوب على النظام السابق والمقيم في القاهرة . هي حركة مدعومة من جزء من أنصار نظام القذافي ومقربة من العسكر في مصر ولها تقاطعات مع عملية الكرامة. وتشتغل على المستويين السياسي والعسكري وأغلب قياداتها تقيم في الخارج وحضورها على الساحة ضعيف. تأسست الحركة في القاهرة سنة 2015
حركة المستقبل : ومؤسسها السيد عبد الهادي حويج وهي محسوبة على النظام السابق . تحظى هذه الحركة بنصرة فئة من أنصار القذافي وتشتغل في الحقل السياسي والفكري وتحاول التأقلم مع الواقع الجديد دون القطع مع الماضي . دخلت الحركة مجال العمل السياسي سنة 2016
تجمع الوحدة الوطنية: ويقوده الدكتور محمد أحمد الشريف وهو أكاديمي ليبي اشتغل لفترة طويلة مع القذافي. جمع السيد الشريف حوله خبراء وأكاديميين ويشتغل على فكرة تجاوز الماضي وتوحيد صف الليبيين بعيدا عن التعصب الفكري والسياسي. الحزب لازال في بدايته وقد يتمكن في المستقبل المنظور من كسب عدد مهم من الأنصار من مختلف الجهات بفعل شخصية مؤسسه المقبولة من النخب ومن عامة الناس.
هذه الأحزاب هي ربما أهم الأحزاب التي تشتغل على الساحة وهي متفاوتة الحضور والفاعلية .
أما بقية الكيانات الحزبية فتظل مجرد عناوين دون أي تأثير حقيقي ولا يعرف على وجه الدقة هل مازالت هذه الأحزاب قائمة أم حلت نفسها .ومن هذه الأحزاب التي أعلنت عن نفسها أثناء الطفرة وبعدها :
الأحزاب الضعيفة الحضور
حزب التحرير: لا يعرف لهذا الحزب أي نشاط في ليبيا رغم أنه حزب له تواجد في كل الأقطارـ الإسلامية وله قيادة عالمية توجهه .المؤكد أن أنصار هذا الحزب يشتغلون في الخفاء لأنه محسوب على الإسلام المتشدد وتخشى قيادته من الظهور العلني لمنتسبيه.
– حزب القمة ومؤسسه السيد عبد الله ناكر
– تيار ليبيا الدولة . ومؤسسه السيد محمد بعيو القريب من عملية الكرامة
– حزب التجمع الوطني .وتأسس في بنغازي ومؤسسه السيد فتحي البعجة
– ليبيا الجديدة . ومؤسسه السيد رمضان بن عمر
– التيار الوطني . ومؤسسه السيد محمد عبد اللطيف الهوني وهو من أتباع سيف ولكنه إبعد بسبب إدعاءاته وتصريحاته بالنيابة عنه بدون إذن منه وهو مقيم في بريطانيا
– تجمع ليبيا الديمقراطية ومؤسسة الدكتور يونس فنوش عضو مجلس النواب وهو من العناصر التي التفت حول حفتر ومشروعه لإستئصال التيار الإسلامي والعودة بليبيا لحكم العسكر
– حزب الوفاق الوطني
– حزب التنمية والرفاه الديمقراطي
– الحزب الليبي للتنمية
– حزب الاستقلال المحافظ
– حزب الوسط الليبي
– حزب شباب ليبيا
– حزب التيار الوسطي الوطني
– حزب التضامن الليبي
الخاتمة
إن الاشتغال على ملف الأحزاب في ليبيا ليس أمرا هينا . فهو يستوجب متابعة دقيقة وإلماما بأدق التفاصيل في هذا المشهد المعقد بمفرداته المتعددة والمتغيرة. ويبقى مصير الحياة الحزبية في ليبيا مرتهن إلى بلوغ مرحلة الاستقرار المنشود حيث في البيئة المستقرة فقط تنمو الأحزاب السياسية وتتطور وفق قوانين التدافع السياسي المستند إلى البرامج والمرجعيات.
***
مريم الحامدي (باحثة تونسية)
ـــــــــــــــــــــــــــــ