فاطمة عمارة
وُلد محمد إدريس بن محمد المهدي بن علي السنوسي في 12 مارس 1890 في زاوية الجغبوب بمنطقة الجبل الأخضر ببرقة، أبوه القائم على أمر الحركة السنوسية، وهي إحدى الطرق الصوفية، ووالدته هي فاطمة ابنة عمران بن بركة، احتفل أتباع الحركة السنوسية بمولده وعطلت الكتاتيب ومعهد الجغبوب ومُدت الموائد ونظم الشعراء أشعارهم وأهدوها له، توفيت والدته بعد عام من مولده فاحتضنته جدته لوالدته.
انضم إلى أعضاء مجلس شورى الحركة السنوسية، وبنى منزلاً خاصاً في زاوية التاج، وكون مكتبة خاصة ضخمة وضم فيها أمهات الكتب والكتب الحديثة، كما أقام منازل في مزارع السنوسية في ضواحى التاج بواحة الكفرة، وكان مجلسه دائما مليئا بالعلماء والأدباء، وأحب علم الحديث والتاريخ والأدب والسياسة، وامتاز لأنه لا يتحدث في موضوع إلا بعد أن يدقق ويمحص فيه ويأتى بالحجج والبراهين التي تؤكد رأية وتدعمه، كما تصف بالتواضع والرحمة بمن حوله، وكان خطيباً بارعاً يرتجل ما يقول، وحرص على وحدة الصف السنوسي، طلب أعضاء الحركة السنوسية منه تسلم مهام أحمد الشريف في 1912، إلا أنه رفض حتى يحافظ على وحدة الصف حيث كانت الاستعدادات قائمة للحرب على إيطاليا، وإرجائها إلى بعد الاستقرار.
قام بأول زيارة خارجية له لمصر في 1914 أثناء سفره للحج ونزل ضيفاً على الخديو عباس الثاني بقصر رأس التين، وذكر تلك الزيارة فيما كتبه عن رحلته للحج :”وبعد مسيرة سبعة أيام وصلنا إلى الساحل عند مكان يسمى بقبق بالقرب من السلوم؛ حيث شاهدت البحر للمرة الأولى في حياتي، ثم سافرنا إلى الضبعة، التي كانت في ذلك الوقت آخر محطة للسكة الحديدية المصرية من ناحية الغرب، ومررنا في طريقنا بمرسى مطروح؛ حيث رحبت بي السلطات المصرية، كم زُرنا الزوايا السنوسية في كل من سيدي البراني شماس ونجيلة وأم الرخّم وأبو هارون، ولدى وصولنا إلى الضبعة استقبلنا صالح حرب،وهو ضابِط مصريَ جاء مندوباً عن الخديوي عباسِ الثاني، ثم سافرنا إلى الإسكندرية بقطارخصوصي، ونزلت ضيفاً على الخديو في قصر رأس التين ، ولقيت ترحيبِاً حارِاً من المصريين، فهم على الرغم من حيادِهم رسمياً في الحرب مع إيطالية كانوا يؤيدون إخوانهم المسلمين، ويبذلون كل ما في وسعهم لمساعدة السنوسييِن بإمدادات السلاح والمعدات الطبية، وفي ذلك الوقت كان اللورد كتشنر يشغل منصب المندوب البريطاني في مصر”.
وبقي في الإسكندرية تسعة أيام، ثم استقل قطار الخديوى الخاص إلى بورسعيد ليستقل الباخرة، والتقي شريف مكة الحسين بن على، وفي طريق العودة بقي في القاهرة فترة قليلة في ضيافة السلطان حسين، وألتقى فيها بالجنرال مكسويل قائد القوات البريطانية في مصر، والكولونيل كلينتون مندوب الحكومة بالسودان وطلبوا منه قطع علاقته بالأتراك وتأيد بريطانيا أو الحياد، ولم يتخذ قراراً حتى استشار أحمد الشريف.
وبعد عودته تولى إمارة الحركة السنوسية في عام 1916 بعد تنازل أحمد الشريف الذي قاد المجاهدين في ليبيا مع غزو إيطاليا لها في 1911 حتى هُزم في معركته ضد الإنجليز أثناء الحرب العالمية الأولى، عمل منذ اللحظة الأولى على الإمساك بزمام الأمور وتوحد البلاد وحمايتها من حرب أهلية، وشن هجمات على معسكرات الايطالين، وأجرى معهم مفاوضات الزوتينية 1916، عكرمة 1917، الرجمة 1920، واستطاع الحصول على اعتراف به كأمير سنوسي لإدارة الحكم الذاتي، وحصل في نوفمبر 1920 على الحكم الذاتي “حكومة إجدابيا”.
وعندما تولى الفاشيون حكم إيطاليا سعوا لإلغاء تلك الاتفاقيات فكلف شقيقة محمد الرضا السنوسي وكيلًا عنه في الإمارة وعين عمر المختار نائباً له وقائدا للمجاهدين في نوفمبر 1922، ورحل إلى مصر حيث فرض عليه الاحتلال البريطاني عدم ممارسة السياسية فكتب في الصحف المصرية عن القضية الليبية، والتقي في مارس 1923 بمقر إقامته بمصر بالمختار ومجموعة من المجاهدين واعتمد معهم خطة قتال وتشكيل المعسكرات واختيار القيادات، وتم الاتفاق على تولى المختار بالقيادة العسكرية والعمل السياسي يتولاه السنوسي من مصر.
وكتب عن تلك الفترة التي عاشها بمصر قائلا:”كانت تلك الفترة تعيسة للغاية ، فقدتُ أثناءها كثيرين من أخلص أصدقائي وأنصاري الذين استشهدوا في معارك الجهاد ضد الإيطاليِين، كما غمرني الحزن والأسى الشديد لمعاناة أهل برقة، وعقب احتلال الكفرة دُمر المسجد الذي كان يضم رفات والدي، ونهبت وبعثرت محتويات المكتبة التي كان فيها الكثير من كتبنا ومخطوطاتنا، وما كان يشد من أزري عبر تلك الظروف العصيبة سوى ثقتي بالله ، وتعاطف أصدقائنا في العالم العرب”.
انضم للحلفاء مع اندلاع الحرب العالمية الثانية واعدام المختار، أعد من منفاه جيشا عُرف باسم “جيش السنوسي “وأقام معسكرا للتدريب في إمبابة وبلغ عدد المتطوعين ما يزيد على 4 آلاف ودخل الجيش ليبيا في 9 أغسطس 1940، ومع انتهاء الحرب عاد للبلاد في يوليو 1944، وحرص على كتابة الدستور وإقراره قبل تولي الحكم فأصبحت الدولة الوحيدة في العالم التي سبق إعلان صدور دستورها استقلالها، وتكون من 204 مادة كفلت حرية العقيدة والفكر والملكية والمساواة بين الأهالي وتأسيس حكومة دستورية ومجلس نواب منتخب، واعترفت إيطاليا باستقلال ليبيا في 1946.
وتأسست أول جمعية وطنية للولايات الليبية (برقة –طرابلس- فزان) في 25 نوفمبر 1950، أُعلن الاستقلال التام وإعلان السنوسي ملكا على الدولة الليبية المستقلة بموافقة جميع العشائر في 24 ديسمبر 1951، فألغي جميع الألقاب عن نفسه وأفراد الأسرة السنوسية واكتفى بلقب “السيد” وأمر برفع اسمه عن المنشآت والميادين والشوارع المسماة عليه، ولم يقبل هدايا سوى الهدايا الرسمية من رؤساء وملوك العالم بحكم البروتوكولات، وانضم إلى جامعة الدول العربية 1953 وإلى الأمم المتحدة عام 1955، عمل على نهضة البلاد واهتم بالتعليم وتعريب المناهج وتشجيع البنات عليه وانتدب مدرسين من فلسطين ومصر، وحرص على تداول السلطة التنفيذية فكان هناك 11 حكومة خلال 18 عام حكم فيها، صادق على إعدام واحد فقط كان على أحد افراد الاسرة السنوسية، ومع اكتشاف البترول تحولت ليبيا من ثاني أفقر دولة في العالم إلى إحدى أغنى الدول مع رفع مستوي معيشة المواطنين، وسُمي عهده “العهد الباهي”.
قاد معمر القذافي حركة لضباط الجيش في 1 سبتمبر 1969 مستغلين رحلة علاج في تركيا لعزله وإنهاء الحكم الملكي وتحويلها إلى جمهورية، فسافر إلى مصر واستقبله الرئيس عبد الناصر واستقر بها ولم يغادرها سوي للحج مرتين، وتوفى في 25 مايو 1983 عن عمر يناهز 94 عاما، ودُفن في البقيع حسب وصيته، وتم إعادة اعتباره وردت له الجنسية وأُعيد لورثته أمواله وأملاكه الخاصة بعد الإطاحة بحكم القذافي.
تزوج من ابنة عمه فاطمة الشريف في 1934 ولم ينجبا وكفلا ابن شقيقها “عمر” و”سليمة” جزائرية يتيمة، ومن المصرية عالية لملوم في 1955 من قبيلة الفوايد بمصر واستمر الزواج 9 أشهر وتطلقا.
_____________