ليست الغاية من استعراض التجربة أن نكتنز معلومات إضافية، وإنما العبرة أن نستفيد من تجربة بلد يتشابه مع عالمنا الإسلامي من حيث المساحة والسكان ووفرة الموارد، مع الابتلاء بالتدخل الاجنبي، وسيطرة العسكر وحكومات الاستبداد، لكنهم تخلصوا من سطوة الأستعمار وسيطرة الفاسدين، وحزموا أمرهم، وامتلكوا حرية اتخاذ القرار النافع لبلادهم دون مصادمة أو مناكفة، حتى نفضت البرازيل عن نفسها غبار التخلف، وطردت شبح الإفلاس.
الجزء الثاني
ثالثا: لولا الاشتراكي بين الواقع وما كان متوقع منه مع نهاية 2002
أُعلنت نتيجة الانتخابات الرئاسية في البرازيل لتُظهر فوز مرشح اليسار ورئيس اتحاد النقابات العمالية “لولا دا سيلفا“، وفى البداية سادت حالة من الخوف والترقب بين أوساط رجال الأعمال والمستثمرين المحليين من أن يتبنى الرئيس الجديد سياسات اقتصادية يسارية على خلاف مجمل الرؤساء المتلاحقين منذ بداية الحقبة المدنية في منتصف الثمانينات ومن قبلهم الحكومات العسكرية المتعاقبة.
ولفهم هذه المخاوف التي ساورت الطبقة الرأسمالية في البرازيل ينبغي الإشارة ولو بصورة موجزة لحياة هذا الرجل الدرامية، والتي من المنطقي أن تثير مخاوف عديدة لديهم.
فقد تجرع لولا شخصيا الفقر منذ أن كان طفلا، فقد كان الابن السابع لعائلة تتكون من ثماني أطفال تسكن في الريف، تركهم والدهم لتتولى أمهم إعالتهم بمفردها، وهو الأمر الذي أدى به إلى تركه التعليم وهو في الصف الخامس ليعمل في مهن متواضعة بداية من ماسح للأحذية وحتى عامل في احد المصانع وقد كان ذلك أثناء فترة الحكم العسكري والأكثر من ذلك أن “لولا” لا يحتاج أن يتكلم ويسرد تاريخه الطويل المشرف والمليء بالفقر والمعاناة والنضال في العمل النقابي للدفاع عن حقوق العمال المهدرة في ظل الحكومات العسكرية واليمينية، ولكن يكفى أن يلوح بيديه لترى اثر هذه الحياة الصعبة، حيث فقد احد أصابعه في أثناء عمله المضني في احد مصانع التعدين.
إذا فالرئيس “لولا” لم يكن بحاجة لمن يشرح له احتياجات هذه الطبقة المقهورة، خاصة وان الفقر في البرازيل له مذاق خاص لا يعرفه إلا من عايشه، وقد كان لولا خير من يتحدث باسم فقراء البرازيل ويعمل من اجلهم وهم ملايين الأُسر . وقد كان من المتوقع وبعد إيضاح خلفية هذا الرجل الدرامية، أن يتجه إما لانتهاج سياسات اشتراكية عنيفة بل وانتقامية من أصحاب المصانع ورجال الأعمال وأصحاب رؤوس الأموال بشكل عام، أو أن يغرق هو وحاشيته في الفساد في محاولة لتحقيق مكاسب شخصية بحتة، ولعل هذان هما النموذجان الشائعان في المنطقة العربية على مدار العقود الماضية.
لكن ما حدث كان أمرا مختلفا تماما. فقد كان من الواضح أن “لولا” بعد سنوات طويلة من العمل النقابي والدفاع عن حقوق العمال والحياة وسط طبقة الفقراء والنضال من اجل حياة أفضل لهم منذ الستينيات، وصل إلى درجة من النضج عند دخوله انتخابات 2002 وهو في السابعة والخمسين من عمره جعلته يدرك أن للأغنياء أيضا حقوق وللطبقة الرأسمالية مصالح ومطالب ، وقد أوضح هذا في لقاء تليفزيوني له مع قناة الجزيرة الانجليزية في 2010 وقبل انتهاء فترة رئاسته الثانية بشهور قليلة حين قال: (مقتنع بأنني يجب أن أعطى الأولوية للفقراء… والفقراء يحتاجون إلى الإعانات لتكون حياتهم أفضل… ومن جهة أخرى عندما تحصل على المال من الأغنياء فإنك بذلك تؤثر سلبا على رضاءهم).
باختصار شديد تبنى هذا الرجل سياسات يسارية لحل معضلة الفقر البرازيلي ولانجاز تقدم قوى في تحقيق العدالة الاجتماعية، من جهة أخرى انتهج سياسات ليبرالية تفوق كل أحلام شريحة الرأسماليين لحماية صناعتهم واستثماراتهم لدرجة جعلت هذه الطبقة أكثر تأييدا لحكم لولا من الطبقتين الوسطى والفقيرة التي كان يمثل لهم البطل ذو الشعبية المطلقة لدرجة أن شعبيته كادت تصل إلى 80% قبيل انتهاء فترة رئاسته الثانية وكان هناك مطلب شعبي عارم بتغيير الدستور لتمكينه من فترة رئاسية ثالثة إلا انه رفض وفضل دعم “روسيف” مرشحة حزبه ورئيسة وزراءه السابقة .
رابعا: كيف حققت البرازيل تلك المعجزة الاقتصادية ؟
1. ما الذي توفر للبرازيل لتحقق تلك المعجزة؟
البرازيل هي بحق ارض المتناقضات، حيث تختلط فيها ناطحات السحاب مع عشش الصفيح، ومناخيا توصف بأنها اكبر مستودع للتنوع الحيوي في العالم، حيث تتواجد جميع الأنظمة البيئية. وديموغرافيا يعيش على هذه الأرض شعب تشكل من أعراق وأصول متباينة 54% بيض 39% ملونين ينقسمون بدورهم إلى الملاتو (سلالة ناتجة من تزاوج الأفارقة والبيض) والكابوكلوز (سلالة ناتجة من تزاوج الهنود الأصليين والبيض) والكافوكوز (تزاوج الأفارقة والهنود الأصليين) و6% زنوج و 1% المهاجرين العرب، أما عدد السكان الأصليين الذين بقوا على نقاءهم ولم يختلطوا بأي من الشعوب القادمة يصل إلى نحو 200 ألف نسمة اى ما يعادل 0.1% من إجمالي السكان .
إلا انه مجتمع متجانس عرقيا، بمعنى أن هذه الأصول لا يمكن وصفها بأنها طوائف أو أعراق مختلفة أو متصارعة أو يمكن رسم خطوط فاصلة بين تجمعات منفصلة تقوم على أساس اللون، وربما يكون الاستثناء الوحيد هو مجموعة السكان الأصليين الذين يصرون على الاحتفاظ على نقاءهم وخصوصيتهم الثقافية وما زالوا يسكنون في غابات الأمازون ويعتقدون بخصوصيتهم وضرورة الحفاظ عليها، لأنها كل ما تبقى لهم في معركة الإبادة التي خاضوها ضد الرجل الأبيض طوال 500 عام عند وصول البرتغاليين لأراضى البرازيل.
إذاً امتلكت البرازيل إلى جانب قدراتها الطبيعية من حيث الأراضي الزراعية الشاسعة والأنهار الكثيرة والثروات الطبيعية مثل النفط والمعادن الوفيرة، بالإضافة إلى القوة السكانية التي تقترب من 200 مليون نسمة. امتلكت إلى جانب كل ذلك مناخ ديمقراطي سليم بدأ أولى خطواته في 1985 واخذ في النمو والاستقرار على مدار سنوات.
إذا عند وصول “لولا” إلى الحكم في 2003 كانت البرازيل لديها خبرة 17 عاما من التجربة الديمقراطية بعيدا عن تدخل المؤسسة العسكرية بعد تاريخ طويل من الاستبداد والقهر العسكري، هذا المناخ الديمقراطي افرز إرادة شعبية قوية ورغبة عارمة لدى البرازيليين لتحقيق النجاح والنمو والتقدم رغم الفقر الشديد، وفى النهاية توفر للبرازيل زعيم برتبة رئيس لديه تاريخ طويل من العمل السياسي والنقابي ولديه خبرة حقيقية بمشكلات الدولة والشعب والاهم أن لديه إرادة للنجاح وتحقيق النمو والتقدم وهدف وحيد وهو مصلحة البرازيل، وكما يقول المحللين في البرازيل أن “لولا” مكث في الرئاسة ثماني سنوات لم يتربح لنفسه ريالا واحدا على الإطلاق.
امتلك “لولا” عزيمة قوية للنجاح وكاريزما جعلت من اوباما يقول عنه: (لولا هو السياسي الأكثر شعبية على وجه الأرض).
2. تفاصيل سياسة “لولا” الاقتصادية
تحقيق النمو ومعالجة الفقر والخروج من شبح الإفلاس هو برنامج طموح أطلقه الرئيس لولا فى 30 يناير 2003، أى فى الشهر الأول لولايته، ويهدف البرنامج إلى القضاء التام على الجوع فى كافة انحاء البلاد. حيث اشتمل البرنامج الانتخابى للولا على ضرورة السعى لضمان حصول كل مواطن على ثلاث وجبات يوميا. ويتكون البرنامج من مجموعة من السياسات المختلفة لتحقيق هذا الهدف.
بداية قام البرنامج بدمج برامج الاعانة المالية التى تُقدم للاسر الفقيرة فى برنامج واحد عرف باسم (بولسا فاميليا)، من جانب آخر تضمن البرنامج أشكال أخرى من المساعدات التى تساهم فى تحقيق الهدف النهائى من البرنامج ولكن بطرق أخرى غير المساعدات المالية، بصورة عامة يمكن توضيح فلسفة برنامج (محو الجوع) من كلمة الرئيس لولا يوم إطلاقه، حين قال: “لا يمكن حل مشكلة الجوع بمشروع طوارئ فقط، ولكن الوضع يحتاج الى إعطاء السمك وبيان كيفية صيد السمك في ذات الوقت“.
وبصورة اكثر تفصيلا يمكن شرح استراتيجيات برنامج محو الجوع على النحو التالى:
استراتيجية اعطاء السمك (المساعدات المالية المباشرة) •
برنامج بولسا فاميليا: تم تدشينه فى اكتوبر 2003 باعتباره برنامج للاعانات المالية التى تقدم للأسر الفقيرة وفقا لدراسة حالة تقوم بها الحكومة مبنية على معايير لتحديد مفهوم الفقر والأسر المستحقة لهذه الاعانة. وقد قامت الحكومة البرازيلية بضم أربعة برامج سابقة للتحويل النقدي المشروط كانت تدار بمعرفة وزارات منفصلة لتتولى وزارة التنمية الاجتماعية فى هذا البرنامج الجديد إدارته كنوع من ترشيد السياسات المنوطة بمعالجة مشكلة الفقر. ويتم صرف المدفوعات للأسر المستحقة من خلال بطاقات إلكترونية عن طريق النظام المصرفي.
والأهم أنه تم إضفاء الطابع اللامركزي على العديد من النواحي التنفيذية للبرنامج وأصبح تحت إدارة البلديات البرازيلية الذى يزيد عددها عن خمسة آلاف بلدية. ويجدر بالذكر أيضا الإشارة إلى الجدل الذى دار داخل البرازيل حول هل تُعطى المساعدات فى صورة عينية أي بتوفير كميات من الطعام بصورة مباشرة إلى الأسر الفقيرة، أم من الأفضل إعطاء الأسر مبالغ مالية لتقوم هى بشراء الطعام. وقد انتهى الجدل بتفضيل إعطاء المبالغ المالية، والتى تقدر بنحو70 ريالاً برازيليا (أي ما يعادل حوالي 35 دولاراً أمريكياً) وذلك للمساهمة فى تنشيط أعمال أصحاب المحلات الصغيرة، حيث أن قيام الحكومة بشراء هذه الكميات من الطعام وتوصيلها إلى الأسر كان سيتم بتعاقدات مع الشركات الكبيرة وكبار الموردين من رجال الأعمال، وهو ما كان سيعنى كساد أعمال صغار التجار داخل المدن والاحياء الفقيرة، الأمر الذى من شأنه العمل على زيادة نسبة البطالة ومن ثم الفقر وزيادة الهوة بين الاغنياء والفقراء.
وفى الواقع يعد برنامج بولسا فاميليا أحد استراتيجيات إعطاء السمك أو المساعدات المالية المباشرة، إلا أن البرنامج قدم المساعدات بصورة مشروطة، حيث ربط استمرار الحصول على هذه المساعدات باستمرار إرسال الأبناء الصغار إلى التعليم الأساسى والكبار الى التأهيل المهنى الذى يساعدهم في الحصول على وظائف، بالإضافة الى إعطاء الأمصال واللقاحات الحكومية للاطفال، وكل هذه الشروط الهدف منها مساعدة هذه الأسر على الخروج من قائمة الأسر المستحقة للمدفوعات المالية المباشرة فى المستقبل بمعنى أن البرنامج فى أحد جوانبه يعتبر أحد استراتيجيات بيان كيفية صيد السمك.
استراتيجية بيان كيفية صيد السمك (تحسين الاوضاع المعيشية والتعليمية والصحية)
برنامج قروض العمال:
قامت الدولة بإنشاء برنامج لإقراض العمال تشرف عليه الحركة النقابية حيث قامت بعقد اتفاقات مع البنوك لإقراض العمال لمدد تتراوح بين سنة وثلاث سنوات بفائدة تبلغ نصف الفائدة السائدة فى السوق، وقد حقق هذا البرنامج نجاحا كبيرا ثم تم توسيعه ليشمل العمال على المعاش أيضا.
• برنامج دعم المزارع الصغير:
بين عامى 2003-2009 تم توزيع مساحة 43 مليون هكتار على ما يزيد على نصف مليون عائلة تعمل في الزراعة. كما سهلت الدولة على صغار المزارعين الحصول على قروض ومنح لشراء كافة مستلزمات الإنتاج. كما قدمت لهم برامج استشارية وتوعوية تساعدهم على كيفية اتخاذ القرارات السليمة ومن دون مقابل.
• برنامج خطة تسريع النمو :
فى 2007 قامت الدولة بإطلاقه والهدف منه هو تنمية الأقاليم المهمشة، والتى يعانى سكانها من الفقر والجوع. واشتملت الخطة على إقامة مشروعات بنية تحتية من بناء الطرق وتوفير الكهرباء وإقامة خزانات المياه وإنشاء شبكات الصرف الصحى، وقد تمثلت أهمية المشروع فى أمرين:
أولهما تحسين الظروف المعيشية لمواطني تلك الأقاليم الفقيرة،
ثانيهما وهو الأهم توفير فرص عمل لسكان تلك المناطق،
حيث اشترط المشروع توظيف اهالى المنطقة فى مشروعات تطويرها، مما يساهم بالتالي فى زيادة القدرة الشرائية لملايين الفقراء.
• كما قامت الدولة بعمل (البرنامج الوطني البرازيلي لمشتريات الغذاء)
، وهو البرنامج الذى تقوم من خلاله الحكومة بشراء المنتجات الزراعية من صغار المزارعين وليس من الشركات الزراعية الكبيرة لتقوم بتقديمها مجانا فى الأماكن الأكثر فقراً ، كما يفرض هذا البرنامج على الشركات التى تقوم بتوريد الوجبات المدرسية شراء كافة مستلزماتها من هؤلاء المزارعين أيضا. وقد كان لهذا البرنامج اثر بالغ فى تحسين الحالة الاقتصادية والمعيشية لملايين العائلات الزراعية.
• من جانب آخر قامت الحكومة بعمل حملات توعية فى الأماكن الأكثر فقراً، وتثقيف الأشخاص بالعادات الغذائية الصحية، وتوزيع الفيتامينات والمكملات الغذائية كالحديد.
• برنامج خطة تسريع النمو :
فى 2007 قامت الدولة بإطلاقه والهدف منه هو تنمية الأقاليم المهمشة، والتى يعانى سكانها من الفقر والجوع. واشتملت الخطة على إقامة مشروعات بنية تحتية من بناء الطرق وتوفير الكهرباء وإقامة خزانات المياه وإنشاء شبكات الصرف الصحى، وقد تمثلت أهمية المشروع فى أمرين أولهما تحسين الظروف المعيشية لمواطني تلك الأقاليم الفقيرة، وثانيهما وهو الأهم توفير فرص عمل لسكان تلك المناطق، حيث اشترط المشروع توظيف اهالى المنطقة فى مشروعات تطويرها، مما يساهم بالتالي فى زيادة القدرة الشرائية لملايين الفقراء.
نجاح برامج البرازيل الاجتماعية يمتد الى خارج حدودها أدى النجاح الكبير الذى حققته برامج العدالة الاجتماعية المختلفة فى البرازيل، إلى تقديمها كنموذج إرشادي لكثير من دول العالم التى تعانى من مشكلات مشابهة. فقد قامت نحو عشرين دولة باستلهام هذا النجاح منها المكسيك وشيلى وجنوب افريقيا وتركيا والمغرب.
والأغرب كان في قيام الولايات المتحدة الامريكية بالإعلان عن إنشاء برنامج الفرصة وهو برنامج للمساعدات المالية المشروطة على غرار برنامج بولسا فاميليا. ومن جانب آخر وعلى غرار (البرنامج الوطني البرازيلي لمشتريات الغذاء ، قامت البرازيل بالتعاون مع منظمة الفاو بتدشين برنامج مماثل مع خمس دول افريقية هي إثيوبيا وملاوي وموزمبيق والنيجر والسنغال أطلق عليه اسم برنامج (المشتريات في خدمة التقدم) . حيث تولت البرازيل تمويل هذا المشروع، حيث يتم شراء المنتجات الزراعية من صغار المزارعين فى هذه الدول وتقديم سلع غذائية للمواطنين الأكثر فقراً وجوعاً وتوفير الوجبات المدرسية داخل هذه الدول أيضاً. وفى بعض الاحيان يعرف هذا البرنامج باسم (الشراء من إفريقيا من أجل إفريقيا
1. تنفيذ برنامج للتقشف
نفذت البرازيل برنامجا للتقشف وفقا لخطة صندوق النقد الدولي بهدف سد عجز الموازنة والقضاء على أزمة الثقة، والمهم انه عند تولى “لولا” الرئاسة لم يتراجع عن هذا البرنامج الذي كان قد بدأه سلفه “كاردوسو” بل استمر فيه على غير توقعات ومخاوف الطبقات العليا، حيث لجأ للصراحة والمكاشفة وأعلن أن سياسة التقشف هي الحل الأول والأمثل لحل مشاكل الاقتصاد، وطلب دعم الطبقات الفقيرة له والصبر على هذه السياسات، وقد كان له هذا بسبب شعبيته ونجاحاته المتتالية.
وقد أدى برنامج التقشف إلى خفض عجز الموازنة وارتفاع التصنيف الائتماني للبلاد ومن ثم ساهم ذلك بقوة في القضاء على انعدام الثقة في الاقتصاد البرازيلي، وبناء عليه تلقت البرازيل نحو 200 مليار دولار استثمارات مباشرة من 2004 وحتى 2011 ، بالإضافة إلى ذلك دخل ما يقرب من 1.5 مليون اجتبى للإقامة في البرازيل في 2011 وعاد نحو 2 مليون مهاجر برازيلي إلى البلاد.
وقد أدت هذه الاستثمارات إلى رفع الطاقة الإنتاجية للدولة وهو ما يعنى توفير فرص عمل جديدة ومن ثم المساهمة في حل مشكلة الفقر. وبعد أن كان صندوق النقد يرفض إقراض البرازيل في أواخر عام 2002 أصبح الآن بعد ثماني أعوام من العمل في برنامج لولا الاقتصادي مدين للبرازيل ب 14 مليار دولار.
2. تغيير سياسات الإقراض
تم توفير تسهيلات ائتمانية، حيث خُفضت سعر الفائدة من 13.25% إلى 8.75 % وهو ما سهل الإقراض بالنسبة للمستثمرين الصغار، ومن ثم أدى ذلك إلى تسهيل إقامة المشروعات الصغيرة وتوفير فرص عمل ورفع مستوى الطاقة الإنتاجية والنمو وهو ما ساهم بشكل عام في حل مشكلة الفقر. وتشير الأرقام إلى أن نصف سكان البلاد زاد دخلهم خلال العقد الأخير بنسبة 68% .
برنامج قروض العمال:
قامت الدولة بإنشاء برنامج لإقراض العمال تشرف عليه الحركة النقابية حيث قامت بعقد اتفاقات مع البنوك لإقراض العمال لمدد تتراوح بين سنة وثلاث سنوات بفائدة تبلغ نصف الفائدة السائدة فى السوق، وقد حقق هذا البرنامج نجاحا كبيرا ثم تم توسيعه ليشمل العمال على التقاعد أيضا. حيث اشترط المشروع توظيف اهالى المنطقة فى مشروعات تطويرها، مما يساهم بالتالي فى زيادة القدرة الشرائية لملايين الفقراء. وذلك دعما للمزارعيين و الزراعة الوطنية.
3. التوسع في الزراعة واستخراج النفط والمعادن
الواقع أن البرازيل تمتلك قدرات طبيعية ضخمة من أراضى زراعية شاسعة وانهار وأمطار بوفرة كبيرة ومناخ جعل منها منتجة لمحاصيل زراعية متميزة عليها طلب عالمي وغير متوفرة في بلاد أخرى مثل البن وأنواع من الفواكه، وكذلك أيضا ثروات معدنية ونفطية هائلة. وقد اعتمدت البرازيل على تصدير هذه المنتجات الخام في السنوات الأولى في حكم “لولا” وقبل الأزمة العالمية في 2008 واستفادت من ارتفاع أسعار المواد الخام في الأسواق العالمية وهو الأمر الذي أدى بالتبعية إلى سد العجز في ميزان المدفوعات الذي كان يعانى منه الاقتصاد البرازيلي قبيل عام 2003.
برنامج دعم المزارع الصغير:
بين عامى 2003-2009 تم توزيع مساحة 43 مليون هكتار على ما يزيد على نصف مليون عائلة تعمل في الزراعة . كما سهلت الدولة على صغار المزارعين الحصول على قروض ومنح لشراء كافة مستلزمات الإنتاج. كما قدمت لهم برامج استشارية وتوعوية تساعدهم على كيفية اتخاذ القرارات السليمة ومن دون مقابل . وهو البرنامج الذى تقوم من خلاله الحكومة بشراء المنتجات الزراعية من صغار المزارعين وليس من الشركات الزراعية الكبيرة لتقوم بتقديمها مجانا فى الأماكن الأكثر فقراً ، كما يفرض هذا البرنامج على الشركات التى تقوم بتوريد الوجبات المدرسية شراء كافة مستلزماتها من هؤلاء المزارعين أيضا. وقد كان لهذا البرنامج اثر بالغ فى تحسين الحالة الاقتصادية والمعيشية لملايين العائلات الزراعية.
من جانب آخر قامت الحكومة بعمل حملات توعية فى الأماكن الأكثر فقراً، وتثقيف الأشخاص بالعادات الغذائية الصحية، وتوزيع الفيتامينات والمكملات الغذائية كالحديد
تعد البرازيل أكبر منتج ومصدر للإيثانول المستخرج من قصب السكر، ويشكل إنتاجها منه نحو 35? من الإنتاج العالمي. وقد بدأ التحول لاستخدام الإيثانول في منتصف السبعينات عندما ارتفعت أسعار الجازولين للمرة الأولى ومع الوقت تطورت تلك الصناعة ونمت وتطورت الخبرة البرازيلية فى هذا المجال.
وتقوم البرازيل بزراعة قصب السكر، وتخمره، ثم تحوله إلى إيثانول. والمركبات هناك مرنة فى استخدام الوقود، بمعنى أنها قادرة على استخدام كل من الإيثانول والجازولين. و يقوم المستهلك بالاختيار بين البديلين وفقا للاسعار داخل محطة تعبئة الوقود
4. التوسع في الصناعة
اتجهت السياسات الاقتصادية في هذا الشأن إلى الاهتمام بشقين للصناعة:
، الأول هو الصناعات البسيطة القائمة على المواد الخام مثل تعدين المعادن والصناعات الغذائية والجلدية والنسيج، وهى كانت بالفعل قائمة من قبل لكن حدث فيها توسعات نتيجة للتوسع في الزراعة والاكتشافات البترولية ومن ثم التوسع في هذه الصناعات والتصدير كما سبق الإشارة.
أما الثاني فهو الصناعات التقنية المتقدمة، حيث خطت البلاد خطوات واسعة في العقد الأخير في صناعات السيارات والطائرات، ومن أهم الأمثال شركة (امبراير )، والتي تعتبر ثالث أكبر شركة تصنيع طائرات تجارية بعد إيرباص وبوينغ وأكبر شركة مصدرة في كل البرازيل، وتمثل طائرات شركة «إمبراير» 37% من أسطول شركات الطيران الإقليمية في أمريكا.
وقد تم إنشاء هذه الشركة من قبل النظام العسكري في 1969 ولكنها ظلت شركة خاسرة، حتى تم خصخصتها في 1994 في عهد الرئيس الأسبق “كاردوسو“، ومن ثم أخذت في التقدم ولكنها حققت نجاحا كبيرا ومتميزا في السنوات الأخيرة . وكما يلي. الخبرة البرازيلية فى إنتاج الطاقة البديلة تعد البرازيل أكبر منتج ومصدر للإيثانول المستخرج من قصب السكر، ويشكل إنتاجها منه نحو 35? من الإنتاج العالمي.
وقد بدأ التحول لاستخدام الإيثانول في منتصف السبعينات عندما ارتفعت أسعار الجازولين للمرة الأولى ومع الوقت تطورت تلك الصناعة ونمت وتطورت الخبرة البرازيلية فى هذا المجال. وتقوم البرازيل بزراعة قصب السكر، وتخمره، ثم تحوله إلى إيثانول. والمركبات هناك مرنة فى استخدام الوقود، بمعنى أنها قادرة على استخدام كل من الإيثانول والجازولين. و يقوم المستهلك بالاختيار بين البديلين وفقا للاسعار داخل محطة تعبئة الوقود.
• الصناعات المتطورة (صناعة الطائرات)
حققت البرازيل تقدما كبيرا فى مجال تصنيع الطائرات، حيث تعد شركة إمبراير البرازيلية ثالث أكبر شركة لتصنيع الطائرات التجارية في العالم، وخاصة في مجال الطائرات المتوسطة والصغيرة وتنتج الشركة مقاتلات وطائرات نفاثة خاصة وطائرات الركاب طراز «E-195»، وتمثل طائرات الشركة 37% من أسطول شركات الطيران الإقليمية في أمريكا.
فتح افاق جديدة فى المجالات الاستثمارية والتجارية بين البلدين
كان قيام الرئيس مرسى والوفد المرافق له والذى ضم عدد من رجال الاعمال المصريين بزيارة مدينة ساوباولو البرازيلية، يؤكد على البعد الاقتصادى للزيارة، حيث أن هذه المدينة تعتبر مركز المال والأعمال ليس فى البرازيل فقط وإنما فى قارة امريكا الجنوبية كلها. وقد قام الرئيس والوفد المرافق بزيارة لمقر اتحاد الصناعات البرازيلية فى هذه المدينة، وهي مدينة يعيش فيها نحو 11 مليون برازيلى من أصل عربى، يعمل الكثير منهم فى مجال التجارة والصناعة وعالم الاعمال.
وفى اثناء زيارته لاتحاد الصناعات، دعا الرئيس مرسى أعضاء اتحاد الصناعات البرازيلى لزيارة مصر فى سبتمبر المقبل، وذلك فى إطار فتح آفاق جديدة أمامهم للاستثمار والتجارة المتبادلة فى السوق المصرية خاصة مع قرب دخول اتفاقية التجارة الحرة بين مصر وتجمع الميركوسور حيز التنفيذ قريبا.
ومن الجدير بالذكر الاشارة إلى أن هذا التجمع يضم بالإضافة إلى البرازيل كل من (الارجنتين، باراجواى، اورجواى، فنزويلا) وهو ما يعنى إمكانية توفير فرص استثمارية وتجارية أوسع امام مصر. ففنزويلا على سبيل المثال تحتل وفقا لتقرير منظمة الأوبك المرتبة الأولى عالميا فى مستوى الاحتياطيات النفطية، ولديها مشروعات استثمارية كبيرة فى الدول الحليفة لها فى الشرق الاوسط مثل ليبيا فى عهد القذافى وكذلك سوريا حتى الآن بالإضافة إلى إيران.
وهو الأمر الذى يعنى أن تكون البرازيل بوابة مصر إلى هذه المنطقة الهامة من العالم وبداية لتوسيع شبكة العلاقات التجارية والاقتصادية بين مصر ودول أمريكا الجنوبية. من جانب آخر وجه الرئيس مرسى دعوة صريحة لرجال الأعمال البرازيليين بالاستثمار فى مشروع محور قناة السويس. ولعل هذه الدعوة لم تكن الأولى ويبدو أنها لن تكون الأخيرة، فقد تكررت فى زيارات الرئيس لدول أخرى من العالم، ويبدو أن الرئاسة قد قررت القيام بدور دعائى لهذا المشروع، الذى ما زال يثير جدلا واسعا فى مصر حتى هذه اللحظة ويواجه بموجة كبيرة من الشك والخوف لإمكانية تأثيره بالسلب على السيادة المصرية على هذه المنطقة الإستراتيجية المهمة.
وتشير الأرقام الى أن قيمة الصادرات البرازيلية لمصر تقدر بنحو 2.6 مليار دولار أمريكي، بينما تبلغ قيمة الواردات البرازيلية من مصر 344.72 مليون دولار أمريكي (وفقا لتقديرات عام 2011). وهو ما يشير إلى ضعف التبادل التجارى بين الدولتين، وكذلك وجود خلل كبير فى الميزان التجارى لصالح البرازيل. وقد شهد البلدان عقد مجموعة من الاتفاقيات التجارية فى الثلاثة عقود الماضية، لكن الارقام توضح أن القضية لا ترتبط بعدد الاتفاقيات وإنما بمدى توافر إرادة سياسية حقيقية لتفعيل هذه الاتفاقيات ووجود رؤية لدعم هذا التبادل على المستوى الحكومى والخاص.
وتتوفر لمصر والبرازيل فرص عديدة لزيادة معدلات التجارة البينية فى مجالات السيارات والطائرات وقطع الغيار واللحوم والبن وغيرها من المنتجات البرازيلية، لكن المهم أيضا البحث عن فرص لتصدير منتجات مصرية منها الأنسجة وخاصة القطنية وبعض المنتجات الزراعية.
كما يجب ان تكون هناك جهات تعمل على اكتشاف مجالات جديدة يكون من شأنها فتح أفاق واسعة أمام المنتجين المصريين، وتدعيم العلاقات على أساس تحقيق مصالح كلا منهما
…
يتبع في الجزء الثالث
________________