الشهيد الداعية أحمد أحواس

وهل سنلتقي.. وأين يا أحمد..؟

وأحمدنا… هو أحمد أحواس… الضابط في الجيش الليبي..

إن الإنسان الذي يسعى وراء هدف نبيل… يتحول إلى رمز عظيم يسمق ويكبر كلما تواضع صاحبه وخفض جناحه لله وللمؤمنين.

وحتى لا يلتقي الآخرون حول الرمز، وفي مسلسل الترغيب والترهيب. خرج أحمد أحواس سفيرا يتنقل بين اليمن والصومال والدانمارك وماليزيا وغوايانا في أمريكا الجنوبية.

لقد بدأ تعارفنا في عدن يا أحمد…!

ومن يجرأ أن يستعمل السفارة والدبلوماسية لنقل الفكر الإسلامي والمجلة الإسلامية و(الأخبار العزيزة عليك)، غير من شغلهم هدفهم عن مركزهم، فتمسكوا بالهدف النبيل مهما تكن الظروف.. واستخدموا وسائلهم لخدمة أهدافهم.

وعندما كانت تغرق عدن في ظلمات الماركسية، عندما امتلأت سجونها بالأحرار… وصارت تحصي على إنسانها الحركة والسكنة.. يومها كان أحمد أحواس الضمير الذي ينبض بالحيوية… والشعلة التي تضيء الدرب للآخرين.

وضعوه في عدن والصومال… وقد رأوا أنهم نقلوه من زنزانته في سجن ليبيا الكبير إلى سجن أكبر اسمه عدن والصومال… ولم يعرفوا أبدا دوره فقد كان دور البطل!

لم تغب عني يا أحمد وأنت في الدنمارك… أو ماليزيا… فقد كانوا يريدون أن لا تستقر فخيبت ظنهم فقد كنت تزرع فسيلة الدعوة في كل البلاد… فأنت في عجلة من أمرك وفي سباق مع الزمن… ومثلك من يقدر على ذلك… (نظرات في واقع الدعوة والدعاةالمؤلف)

أتذكر تلك الرسالة التي بعثتها لي من غويانا… لقد كانت بتوقيعك… وعلى الرغم من استغرابي لبعض معانيها في البداية، غير أن النهاية التي قدرها الله لك، والشموخ الذي تطاولت نفسك إليه، وزيارتي لترنداد وغويانا ولقائي بإخوانك وتلاميذك في أمريكا الجنوبية ومنطقة الكاريبي من بعد، وانضمامك إلى إخوانك في العقيدة ضمن جبهة الإنقاذ الوطني لتحرير ليبيا من الطغاة والطغيان، كل ذلك فسر لي الكلمات التي غمضت علي… ذكرت لي ضرورة التحرك الإيجابي فلا معنى للعمل الإسلامي الذي يتحول إلى ردود فعل لا نحسن توجيهها أو الاستفادة منها..

وتحدثت لي عن النظرة الضيقة التي تريد كل شيء أو تفقد كل شيء… وذكرت لي ضرورة التخطيط في عالم تجريبي يؤمن بالعلم والتكنولوجيا ويسخرها لمصلحة الإنسان… شكوت لي خلافات العاملين للإسلام وكيف يخسرون جهودهم واخوّتهم ويتحولون إلى أعداء… من أجل تفاهات، على الرغم من أن عناصر اللقاء بينهم لا حدود لها… نسوا الحب في الله… فأنساهم أنفسهم فأصبحوا أعداء يتناكرون بعد أن كانوا أحبابا يتعارفون ويتآلفون…

هل غفرت لي… يا أحمد رسالتي الجواب..؟

إني والله لم أقصد الإساءة… ولكني لم أفهم يومها ما قصدت.. كنت أحلم..

كنت أظن أن الحماسة شجاعة، والبلاغة فكرة، والحديث المنمق دعوة، والمقالة وصاحبها مثالا… وما علمت إلا مؤخرا أن الماء قد يكون ماء… وقد يكون سرابا أو تيها ضاربا في حشايا الرمال… اغفر لي يا أحمد… ومثلك من يغفر!

تضاربت الأنباء حول نبأ استشهادك… ذكروا أنك دخلت مع اثنين من رفاقك من البحر… وذكرت وكالة الأنباء الرسمية الليبية أنك اشتبكت مع الحرس على الحدود التونسية الليبية وأن إصابتك كانت قاتلة… وذكر مراسل اللوموند الفرنسية أنك دخلت البلاد قبل أسبوعين ثم اكتشف أمرك في حادث ما زال غامضا.. وذكرت أخبار أخرى أنك كنت تقود الهجوم على ثكنات العزيزية حيث يقيم معمر القذافي… وأن قسما من الجنود انضموا إليكم… وإن المقاومة استمرت أكثر من سبع ساعات كاملة… استشهدت فيها مع جميع رفاقك الآخرين…

قالوا تدرب في السودان… وقالوا بل دفعته أمريكا وانكلترا… وهذا هو منطق العملاء..!

بل تدرب في ليبيا وكان من أذكى ضباط جيشها وألمعهم..

ودفعه دينه وإسلامه لإنقاذ بلده من طغيان الارهاب… الذي استشرى في بلده الطيب..

يا أحمد…

مهما كانت طريقة استشهادك فستبقى حيا عند ربك..

وستبقى حيا في ذاكرة إخوانك.. لن ينسوا أبدا.. الداعية المثقف والقيادي الذكي والسياسي المجاهد..

وستبقى أحد رموز الكفاح الذين يلهمون شباب هذه الأمة.. كيف يدافعون عن حقوقهم.. بل وكيف يستشهدون..

عندما زرت تلاميذك في منطقة الكاريبي.. حدثوني عنك.. وعن الوجه الآخر الذي لم أكن أعرفه.. يومها أدركت معنى الصمت الذي كنت تلوذ به أحياناً.. فليس كل صمت جبن.. وليس كل صمت معناه عدم معرفة الجواب.

كل من سمعك تتحدث في المؤتمر الطلابي في الولايات المتحدة وتقول: لن نتخلى عن دورنا، ولن نقعد مع القاعدين.. ولن نقنط مع القانطين.. والخيار الوحيد الذي نرضاه لأنفسنا أن نعيش أحرارا أعزاء أوفياء أو نموت واقفين ونسقط سقطة الشهداء الصالحين.. كل من سمعك أدرك نهايتك..

أخلاقه وصفاته :

كان الشهيد طيلة عمله في القوات المسلحة مشهوداً له بالكفاءة والإخلاص والأخلاق العالية، كما كان يحظي بتقدير واحترام رؤسائه وحب ومودة مرؤسيه.

بعد انقلاب القذافي عام 1969م كان الشهيد من ضمن الضباط الذين اعتقلهم القذافي، ثم جرى إبعاده للعمل في السفارات الليبية في كل من: الدنمرك، واليمن الشمالي، والصومال، واليمن الجنوبي، وماليزيا، وغويانا. ورغم سوء سمعة نظام القذافي إلا أن ما كان يتحلى به الشهيد من نبل في التعامل وأصالة في الأخلاق وتفان متواصل في خدمة قضايا الإسلام والمسلمين، جعله يحظى بالتقدير والاحترام من الأجهزة الرسمية، وبالتجاوب المتزايد من كثير من العاملين في الهيئات الأهلية والتعاون الخير مع الشباب في الجمعيات الإسلامية في تلك الدول لا تزال آثاره شاهدة على ذلك حتى اليوم.

في فبراير 1981م أعلن الشهيد أحمد إبراهيم أحواس استقالته من منصبه كقائم بأعمال السفارة الليبية في غويانا، وأعلن انضمامه إلى المعارضة الليبية في الخارج حيث شارك في تأسيس الجبهة الوطنية لإنقاذ ليبيا. وتم اختياره عضواً في اللجنة التنفيذية للجبهة.

·    في 6 مايو عام 1984م كان الشهيد أحمد أحواس في مهمة تتعلق بقوات جبهة الإنقاذ داخل ليبيا، ولم يكن دخوله أو تسلله إلى ليبيا هو الأول من نوعه، بل كان يقوم بذلك بصورة دورية منذ استقالته. واستطاع في المرة الأخيرة، كما تقول إحدى الروايات، التسلل عن طريق البحر، ظل بعدها يتنقل داخل البلاد لمدة أسبوعين تقريباً، كان يقوم خلالهما بالاتصال والتخطيط والتنسيق مع وحدات وإفراد من الجناح العسكري للجبهة الوطنية لإنقاذ ليبيا، اصطدم إثناء تنقلاته الأخيرة.. بدورية مسلحة قرب مدينة زوارة، فتم تبادل إطلاق النار الذي انتهى باستشهاده.

ولا نستطيع أن نعزل واقعة استشهاد الرائد احمد أحواس عن وقائع وإحداث الثامن من مايو 1984م، وما جرى في ذلك اليوم من تصادم بين مجموعة بدر التابعة لقوات الإنقاذ وبين قوات النظام الليبي، وما تلى ذلك من أحداث ووقائع انتهت باستشهاد أفراد المجموعة.

سلام عليك يا أخي أبا أسعد… ورحمة الله وبركاته.

___________

مقالات

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *