أعلن الشهيد أحمد احواس استقالته من منصبه كمستشار بأمانة الخارجية وكقائم بأعمال السفارة الليبية في غويانا
***
بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
عرفت معمّر القذّافي بومنيار طالباً بالكليّة العسكريّة سنة 1965م عندما كنت مدرساً بها، ثمّ عرفته” ضابطاً بالجيش الِلّيبيّ حتَّى انقلاب عَام 1969م. عرفته شاذاً فِي تفكيره وتصرفاته. ومَا أشد دهشتي وقلقي عندما أصبح على رأس السّلطة فِي ليبَيا عبر انقلاب ستظهر الأيّام مِن كان وراءه.
لقد رفضت اقتراحاً فِي الأيّام الأولى للانقلاب بإرسال برقية تأييد حتَّى لا يفهم منها اعترافي بهذا الوضع المريب، كمَا عدلت عَن فكرة كتابة مذكرة إِلى القذّافي أنصحه فيها وأعرض له تصوري لمنهج التغيير المطلوب، وذلك لقناعتي أنه لا يؤمن بالحوار ولا يعدل عَن رأيه حتَّى ولو تبين له الحق فِي سواه.
لقد كان مِن الصعب علي وآنا أعرف جيداً مَنْ هُو القذّافي أن أعلن رأيي فيه إبّان ذلك التأييد العفوي مِن جماهير شعبنا الطيب، فاخترت أن أقوم بخدمة ديني وأمتي مِن أيّ موقع أكون فيه. ولقد علمت مِن مصدر موثوق ومقرب حرص القذّافي على بقائي خارج البلاد فكانت حياتي كلها تنقلاً بين السفارات، كان آخرها فِي غويانا بأمريكا الجنوبيّة.
كنت أتابع أخبار البلاد وأرى بعيني عندما أعود بين الحين والآخر الخراب الاقتصادي، والتفسخ الخلقي، والانحراف العقيدي والفكري، والفوضى الإداريّة، والتخبط السياسي، فضلاً عَن التذمر الشّعبي على كلِّ المستويات وفِي جميع القطاعات، وأتابع أخبار الإرهاب والتسلط والقهر والظلم ومصادرة الحريّات والأموال بشكل لم أسمع بمثله فِي التاريخ القديم والحديث لأمتنا.
لقد كانت تؤلمني مِن الأعماق حماقات القذّافي وتهجماته على كل عزيز، واستهتاره بكلِّ المقدسات والقيم، كمَا كنت استغرب ممن يتبنون أفكاره الباطلة ويروجون لها. وكنت أتساءل فِي نفسي عمّا يحدث وكيف يحدث وكيف يمكن مواجهته، كمَا كنت أدرك آن دوراً ايجابياً يتحتم علي القيام به، وقد تنامى لدي هذا الشعور مع تمادي نظام القذافي المتعجرف فِي ممارسته الوقحة لكل أشكال الظلم والطغيان التي أدَّت إِلى ارتفاع كثير مِن الأصوات المُعارضة له فِي الدّاخل والخارج وأصبح السكوت فِي نظري تقصير لا تبرره كلِّ الاعتبارات التي حالت دون إعلان موقفي منه إِلى الآن.
وإن فِي تجربة العالم مع القذّافي وفِي خذلانه للقضايا الإسْلاميّة والتحرريّة وتدخلاته فِي شئون الدول الأخرى وبالأخص الدول الأفريقيّة والعربيّة الشقيقة مَا يكفي للتدليل على الدور التخريبي الّذِي يقوم به والّذِي أدَّى إِلى تدمير سمعة ليبَيا ومكانتها بين أمم العالم.
لذلك فأنني وباسمي الشخصي أدين وبشدة كلِّ الممارسات الخاطئة التي قام ويقوم بها التسلط القذّافي العابث على الصعيدين الدّاخلي والخارجي. وأحس أنني أعبر بذلك عَن موقف الغالبية العظمى مِن الشّعب الِلّيبيّ المنكوب الّذِي مَا فتئ يسعى جاهداً للتخلص مِن هذا الكابوس المزعج بعْد أن تكشفت حقيقته مُنذ الأشهر الأولى للانقلاب النكد.
بناءً على مَا تقدم.. أعلن استقالتي مِن منصبي كمُستشار بأمانة الخارِجِيّة وكقائم بأعمال السفارة الِلّيبيّة فِي غويانا.. كمَا أعلن عَن عزمي للوقوف وبكلِّ مَا أملك مع كلِّ العاملين المُخلصين للعمل الجاد مِن أجل الإطاحة بهذا الطاغية الّذِي نكبت به بلادنا العزيزة لنعيد للشّعب الِلّيبيّ حريته المغتصبة لكي يختار نظام حياته وحكمه ضمن إطار عقيدة الإسْلام وشريعته الرّاسخة وليحقق آماله فِي العزةِ والكرامةِ والازدهارِ “والتقدمِ.
وَلِلَّهِ الْأَمْرُ مِن قَبْلُ وَمِن بَعْدُ.. وَسَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنقَلَبٍ يَنقَلِبُونَ“”.
أحمَد إبراهيم إحواس
مستشار بأمانة الخارِجِيّة والقائم بأعمال السفارة الِلّيبيّة / غويانا.
ربيع اول 1401 هجري 18 يناير / كانون الثّاني 1981م.
__________________