المناضل علي بشير يتذكر: رفقة الشهيد في رحلة عودته إلى الوطن وملابسات استشهاده، وأحداث أخرى
هذه سردية أحد رفاق الشهيد الذين عبروا الحدود معه نحو الوطن، يحكي فيها تجربته مع مجموعة بدر وعن دخولهم إلى أرض الوطن وعن ملابسات استشهاد الحاج أحمد، وعن اعتقاله ورفيقه الآخر في تلك الرحلة، وعن تجربته في سجن بوسليم وغيرها من الذكريات.
بقلم علي بشير حمودة
الجزء الحادي عشر
(تنبيه واعتذار)
في الحلقة الماضية سبق وأن ذكرت أسماء سجناء الحجرة رقم (9) التي قادت انتفاضة السجن عام 1996م ونسيت ذكر سجينين هما : عبداللطيف الحْوِتي و آخر لقبه العقيلي (غير خالد العقيلي الذي استشهد في اليوم الأول وسبق ذكره) .
عقب المفاوضات والاتفاق الذي تم مع عبدالله السنوسي تم دخول السجناء لحجراتهم وقد أخبرني الشيخ محمد جويلي (أحد المفاوضين) أنّ عدد السجناء الذين أقفلت عليهم الأبواب 1213 سجيناً ، وعقب ذلك دخل السجانون إلى القواطع وقاموا بتغيير الأقفال ثم بدأوا بنقل بعض السجناء إلى السجن العسكري (الذين نحن فيه) فنقل سجناء قضية أكتوبر 1993م (التي عرفت بقضية ورفلة) وكذلك ما عرف بجماعة اجدابيا (مارس 1990م) وكذلك من من كانوا تحت التصنيف (ج) وكذلك جرحى يوم أمس الجمعة والذين بلغ عددهم الـ 20 ومنهم : محمد الفالح، عاشور أبوعائشة، عزالدّين مرواص، عبدالوهاب قايد، جمعة الشلماني، حسن الدباشي، أحمد العمامي، المهدي قمر(تشادي اعتقل في اجدابيا) ناصر المزيني… فقد أخذوا ووضعوا بأحد الساحات المجاورة ووضع عليهم غطاء (خيمة مشمع) أما المفاوضون الأربعة فقد أخذوا إلى الانفرادي (الشيلات) بالسجن العسكري.
كيف سارت الأمور بعد ذلك؟ وهل كانت الخطة مدبرة منذ اليوم السابق؟ و أخرج السجناء إلى الساحات للتصفية والإبادة؟ أم حدث شيء ما فصدرت أوامر القذافي بالقتل؟ وهل أضيف لسجناء المركزي سجناء من أماكن أخرى؟
هذه تساؤلات ينبغي أن يكون التحقيق مع الجلادين – المقبوض عليهم حالياً – قد أسفر عن تفاصيلها بدقة، ومما سمعته ويمكن أن يعطي بعض النتائج المحتملة وأشعر أنه لا يخلوا من مصداقية، أنّ السجناء أخرجوا – السبت – صباحاً للساحات وطُلب منهم أنّ من يسمع اسمه يدخل، أي يبقى المطلوبون ومن كان له دور أثناء الانتفاضة وهنا رفض السجناء أن لا يتخلوا عن زملائهم مهما كانت النتائج، إما أن ندخل معاً أو نبقى معاً ، وكان الطاغية عندها على اتصال مباشر بعناصره الأمنية فأعطى أمره و قال : (صفوا الكلاب) وهذه رواية سمعتها من عبدالله عبدالسميع القذافي نقلاً عن خميس الغناي ( عبدالله عبدالسميع أحد السجناء السياسيين وكان مسئولاً عن أمن استراحات الطاغية
ثم جيء به في قضية حقيبة المتفجرات التي دخل بها محمد مخلوف الهمالي وسجن فيها ونيس الشارف وحسن الجعيدي وعمر البوري وإبراهيم السلاك ) خميس الغناي القذافي اعتقل مع صديقه عبدالسلام خشيبة القذافي بسبب قضية شرف، حين اكتشف أثناء تكليفه بمهمة عسكرية وفجأة عاد لبيته فوجد معمراً في بيته، وقد تم قتله بطريقة بشعة، ضرباً وركلاً حتى الموت أمام عيني الطاغية الذي كان يجلس في شرفة مطلة وقال لهم: “اقتلوه قتلة كلب” أما خميس فقد أعدم فيما بعد في سرت، ونفيت أسرتيهما لمصرتة، خميس هذا كان ضمن قوة حرس الطاغية التي جاءت ونفدت مذبحة أبوسليم.
أول مجموعة بدأوا بقتلها هي مجموعة المرضى (140 سجيناً) الذين وضعوا مقيدين بإحدى الحافلات و ظنوا أنهم في طريقهم إلى المستشفى، ولكن كانت محطتهم الأخيرة ورشة النجارة قرب إدارة الشرطة العسكرية، وقد أخبرني أخي وصديقي علي شنيقط الزوي أنه كان في تلك الحافلة التي توقفت عند ورشة النجارة المذكورة وصعد إليها الحرس وسألوا عن محموعة اجدابيا قضية 1990م وهنا كانت مفارقة محزنة نزل محموعة اجدابيا إلا محمود عبدالسميع القذافي شقيق عبدالله عبدالسميع الذي خشي النزول مع المجموعة لأن المتبادر حينها أنها ستعدم باعتبارها قضية مسلحة وآثر البقاء مع المرضى، ليلقى حتفه معهم رحمهم الله.
، أما صلاح المسماري وهو أحد سجناء الحجرة (9) بالعنبر الرابع التي قادت الانتفاضة فنزل مع مجموعة اجدابيا الذين نقلوا مقيدين ووضعوا بـ (الشيلّة) رقم (10) بالقاطع الانفرادي رقم (7) بالسجن العسكري ، وكانت البداية بالمرضى وفي الورشة حيث قتلوا جميعاً، ثم بدأ إطلاق النار على السجناء في الساحتين المتقابلتين وسط سجن أي سليم المركزي، ويوم الأحد فطن الحرس لصلاح المسماري حيث أخرج مجموعة اجدابيا من الشيلة التي وضعوا فيها وأمر هو بالبقاء ليقتل بعد ذلك، ومن الأشياء المؤلمة التي سمعتها واعترف بها بعض المسجونين من جلادي أبوسليم ، أنهم وجدوا وسط ركام الشهداء حوالي ثلاثة سجناء لا يزالون أحياء إذ استطاعوا اتقاء إطلاق النار فصدرت أوامر ضباطهم لهم بقتلهم، وحين أرادوا رميهم بالرصاص قالوا لهم: لا، لا نريد قتلهم بالرصاص، وحينها التقط المجرمون الإشارة فقتلوهم رضخا بالحجارة.
وعقب ذلك جيء بسيارات تابعة لشركة اللحوم عليها ثلاجات كبيرة وبدأ الحراس بنقل أجساد الشهداء بالعربات اليدوية (البراويط) إلى هذه السيارات ثم حفرت لهم حفرة كبيرة خارج السجن وداخل السور الكبير، وصب عليها الجير والخرسانة، ثم جرى ما جرى من نقلهم مرة أخرى إلى إحدى كسارات الحجارة وخلطت معهم عظام حيوانات ميتة ثم نقلوا بعد ذلك لعرض البحر….
وسبحان الله العظيم (وَإِذْ قَتَلْتُمْ نَفْسًا فَادَّارَأْتُمْ فِيهَا وَاللَّهُ مُخْرِجٌ مَا كُنْتُمْ تَكْتُمُونَ) ثم اشتعلت الانتفاضة الكبرى على أيدي أهالي ضحايا هذه المذبحة لتكون ثورة لم يهدأ لها أوار حتى أفضت إلى نهاية الطاغية وبطريقة تجلى فيها جزاء الله الجبار المنتقم.
بقينا في الزنازين التي أقفلت علينا وفي ظل معاملة قاسية، وحرمان من الزيارة، وكنا حينها لا ندري تفاصيل ما حدث، كما رويتها عقب ذلك، وفي شهر يوليو عقب المذبحة جاء الحرس واقتادوا فتحي الشاعري (نقيب طيار على رأس محاولة قتل القذافي في سوق الرويسات ببنغازي عام 1981م) وكان محكوما بالإعدام، أخذ ولم نسمع عنه شيئاً إلى اليوم، والأرجح أنه تمت تصفيته، وليت التحقيق مع جلادي أبوسليم يهتم بهذه القضية أيضاً، أين فتحي حميد الشاعري؟!!
وجاءت سنة 1997م وفي يوم الخميس 23 شعبان 1417هـ الموافق للثاني من يناير وعند حوالي الساعة الثانية والنصف ظهراً وكنت في إغفاءة القيلولة وفجأة قفزت على دوي الرصاص طلقات بنادق متتابعة ثم طلقات مسدسات متقطعة وكان فراشي قرب باب الزنزانة رقم (9) بجواري السيد أحمد الزبير السنوسي فقلت له: إنها عملية إعدام، فقال لي: لا كيف عرفت؟ قلت: الطلقات الأخيرة هي ما يسمونه طلقة الرحمة، فأدركه شبه اقتناع بما قلت، وفعلا عند المساء وكان عندنا تلفزيون بالغرفة وفي النشرة المحلية عرض شريط تنفيذ حكم الإعدام في مجموعة أكتوبر 1993م رحمة الله عليهم جميعاً: مفتاح قرّوم ومصطفى الككلي و وخليل الجدك ورمضان العهوري وسعد مصباح ، سعد شنق في مكان آخر ، كما جيء بهم في المحكمة العسكرية حين تلي عليهم حكم الإعدام الذي صدر عن المحكمة العسكرية وقرأه رئيسها إبراهيم الحضيري، ثم قام أحد المعاتيه عبدة المقبور ليوجه لهم كلاماً لا يصدر عن إنسان سوي يملك ذرة من دين وخلق وحياء أو ينتمي لبشر.
ومرّت أيام تلك السنة 1997م لتضاف إلى تلك السنين المريرة العجاف ولتكون لها مأساتها المتميزة هي الأخرى، وكم كنا نجد في ذلك من ألم ولوعة وحسرة ونحن نطالع المأساة المتجددة لشعبنا وبلدنا، وجاء شهر أكتوبر، لنفقد أحد إخواننا وزملائنا النقيب رمضان حامد الزوي، الذي اعتقل سنة 1986م في القضية التي كان على رأسها النقيب فرج التيح، ضباط من سلاح المدفعية والصواريخ، رمضان هذا كان طيباً دمثاً بشوشاً ربطتني به صلة مودة ومدارسة في كتاب الله وبرنامج رياضة بدنية عندما كنا نخرج للساحة، كان بشوشاً بشكل دائم ذا دعابة وصاحب نكتة حفظ القرآن الكريم واجتهد في تحصيل أحكام التلاوة، وكان يعاني مرض الربو الذي تشتد نوباته معه لدرجة صعبة وحين تسأله: كيف حالك يا رمضان؟ يجيبك وهو يبتسم في غمرة الألم والمعاناة، الحمد لله،
ومن دعاباته اللطيفة التي أذكرها حين كان يهرول في ساحة السجن فقال له أحد الزملاء أيوا يا غزال! فأجابه رمضان : قيسك عمرك ما ريت الغزال! كان رمضان رحمه الله في الحجرة السابعة في الصفة المقابلة لنا ومعه في الغرفة الدكتور عمران التربي وعون سالم عون وعارف دخيل وعقيل المجبري، وحين اشتد حالة رمضان ليلا بدأ الطرق على الباب وتضامن بقية الحجرات وما من مجيب من الحرس حتى توفي رحمه الله بين يدي إخوانه في الحجرة، ثم فتحوا صباحاً وطلبوا من رفاقه في الحجرة أن يخرجوا جثمانه الطاهر ليوضع جنب الحجرة ويبقى ساعات قبل أن يخرجه أولئك القساة العتاة المجردون من كل القيم والأخلاق.
عقب وفاة رمضان الزوي وخلوّ مكانه ونظراً للزحام بالحجرة رقم (9) التي أنا أحد نزلائها والتي كان فيها (أحمد الزبير السنوسي وعجيلي الأزهري مرموري وعبدالقادر الأصيفر وجمعة الجازوي رحمه الله وعوض السعداوي وبشير قرقوم وعلي بن عروس البوسيفي والعبد الفقير) أما العدد بالحجرة (7) فكان أربعة فقط: (د/ عمران التربي وعقيل المجبري ود/ عون سالم عون العلاقي وعارف دخيل) وكانت لهم رغبة ولي رغبة كذلك في الانتقال إليهم ومعهم وقد عزّ عليّ في الوقت ذاته ترك الإخوة الذين ربطتني بهم مودّة وعشرة طيبة لعدّة سنين هي من أشدّ وأصعب السنوات لكن للظروف والضرورات حكمها وبعد محاولات مع بعض الحرس وترتيبات من الإخوة انتقلت إلى الحجرة (7) لأتمّ فيها خمس سنوات هي الأخيرة في حياتنا داخل السجن.
كما أن مغادرتي للحجرة الأولى ما كان يعني بُعداً عنهم أو انقطاع صلة بهم، انتقلت و جئت مرة أخرى لأكون إلى جوار الدكتور عمران التربي وهو طبيب أسنان متميز وكم أدّى هذا الأخ الفاضل من خدمات جليلة للسجناء في مجال تخصصه – الأسنان – وغيرها من العلاجات العامة، كان دائم الفكر والاستكشاف وله براعة ظاهرة ، خاصة في ما يعرف بالطب العربي و العلاج بالأعشاب وكذلك الإبر السينية وكان يحاول دائما أن يصنع شيئاً مما هو متوفر ومتاح لديه، يخلط بعض المواد والأعشاب و يكوّن منها أدوية تعين المصابين وتخفف بعض معاناتهم، وقد كان وجوده معنا وكذلك الدكتور المناضل الجرّاح محمد الرجباني رحمة من عند الله مع ما كلفهما السجن من ألم و معاناة، وكانا متعاونين وبينهما مراسلة ومشاورة وأحيانا يقومان بعمل مشترك لأحد السجناء إن كانت الحالة صعبة.
وكانت الأدوية التي تأتي ونطلبها من الأهل – أيام كانت الزيارات مفتوحة – توضع عندهما كصيدلية عامة لجميع السجناء حتى الذين هم في القواطع الأخرى حيث يتم إيصالها بطرق التهريب أو طريق بعض الحرس الذين بهم بقية خير ويتعاطفون مع السجناء ، وبعد انقطاع الزيارة سنة 1996م إلى سنة 2000م كان معظم مخزون الأدوية قد نفد وهنا بدأت المعاناة أضف إلى ذلك تغير أسلوب المعاملة من قبل إدارة السجن إلى الأسوأ، ومن أشدّ ما يعانيه السجين أوجاع والتهاب ومشاكل الأسنان واللثة وكلنا يتصور معنى كلمة ألم الأسنان وما يترتب عليها من أرق وقلق حتى في الحياة العادية فما بالكم به داخل السجن، وسبحان الله اللطيف الخبير المدبّر كأن مجييء للحجرة (7) كانت تنتظرني معه قائمة من الأوجاع المؤجلة.
فعقب انتقالي الى الحجرة (7) أصبت بالتهابين حادّين العام الأول في الأذن اليمنى و في العام التالي في أذني اليسرى، فكان د/ عمران يعالجني بوسائله المتاحة وأسلوبه الرائع الذي يعكس عمق الخير في نفسه وفي الشعور به تجاه الآخرين، كما اشتد ألم ضغط (ضرس العقل) على السنّ المجاورة له وصار مصدر تهديد لها فقام عمران بخلع وإزالة هذا الضرس المزعج والعزيز في ذات الوقت، ومن الطرائف أيضاً أنني وقبل السجن بسنوات كنا كعادتنا نقوم بخدمة نخيلنا بأنفسنا فكنت ذات مرة في أعلى إحدى النخلات أقوم بتنظيفها وتهيئتها لطي وتدلية العراجين فقطعت جريدة ورميتها لكنها انقلبت في يدي بسبب قوة الريح فدخلت شوكة منها وانكسرت في كف يدي اليسرى ما بين السبابة والابهام وبقيت على ما هي عليه ما يزيد عن خمسة عشر عاماً وكانت في منطقة صعبة تحت العصب مباشرة، فتدخل د/ عمران بمشرطه وفتح الجلد وكشف عن تلك الشوكة واستخرجها بفن ودقة.
كما أنني أصبت بنزلة معوية حادّة كادت تكون معها النهاية حيث لم تعد المعدة تقبل شيئاً وكانت شدّة الشعور بالغثيان و حالة التقيؤ التي لم تقف دخلت معها في شبه إغماء وارتفعت البولينة بنسبة عالية مما أدّى إلى تضامن بين السجناء حين لم يستجب الحرس في المرّة الأولى لطلب إخراجي للطبيب وكان ما حدث مع المرحوم رمضان الزوي قريب العهد فاشتدّ خوف الإخوة عليّ واشتدّ واحتدّ معه الطرق على أبواب الحديد من جميع حجرات القاطع، وهنا دخل الحرس، ليطلبوا التوقف ثمّ أخرجوني ويضعونني وسط الممرّ بين الحجرات لأستمر فيما كنت فيه.
وبعد وقت جاء الحرس وأمامه طبيب السجن البنغلاديشي والذي وبعد المعاينة البسيطة أعطاني حقنة لإيقاف التقيؤ لكنه أشار إلى خطورة الحالة وقال لهم: (هذا لازم فيه يطلع مستشفى) وبعد قصة طويلة من الأخذ والرد والمماكسة ودراسة الموقف قدّر الله لي أن أخرج وهناك بمستشفى طرابلس المركزي أجريت لي بعض التحاليل ووضعت إبرة التغذية وعبرها بعض المضادات والأدوية وأعدت مساء ومعي بقية التغذية والأدوية التي أتم الدكتور عمران إعطاءها لي على خير ما يرام.
وربما هنا أطلت على القارئ وفيه تركيز على موضوع شبه شخصيّ و لست هنا أسرد قصصاً شخصية لكنني أدوّن وأوثق لبعض صور المعاناة التي عانى غيري أشدّ منها وأبرز جهوداً طيبة لجنود مجهولين عانوا معنا المعاناة العامة من سجن وتعذيب لكنهم قدموا لنا خدمات لا يمكن أن تُنسى أو أن تقدّر وتقاس بمثلها خارج السجن. وجاءت سنة 1999م وفي هذه السنة بالذات بدأت تجري – على صعيد السجن – بعض الأمور الغريبة عنا والتي لم نعتدها من قبل! منها فتح الأبواب والخروج إلى الساحة وتغير معاملة الحرس وتحسين وجبات الأكل وتوسعة نوافذ الحجرات التي كانت شبه مغلقة وووو كل هذا كان عقب مجيء عبدالحكيم الرويمي الذي لم نكن نعرفه ولم نره من قبل.
لكن السجناء الجدد الذين تواصلنا معهم كانوا يعرفونه معرفة جيدة ويصفونه ويصنفونه لنا، لقد كان أحد المشرفين على عمليات القبض خلال التسعينيات وجاء حتى في مدينة مصراتة سنة 1992م وقالوا لنا إنه قد مارس التعذيب وبشكل عنيف مع السجناء أثناء إدارته لسجن عين زارة، لكنه هذه المرّة جاء في ثوب مختلف وبدأ يَظهر على أنه المدير الفعلي رغم وجود المدير عامر المسلاتي الذي ظهرت على وجهه وفي كلماته دلالات انتهاء صلاحيته وبدأت سياسة التخلص منه ومن مرحلته تجري رويداً رويداً وأخذ الرويمي يُظهر سياسة جديدة ويعد بتغييرات وتحسينات كبيرة ويطلق تصريحات جديدة على قاموس السجن في ليبيا، ويندد بالمعاملة والسياسة السابقة حتى قال لأحد السجناء يوماً : أتدري ما سبب المشاكل التي نعانيها؟ إنه: (الأحمق البهيم) يعني: أحمد إبراهيم.
وكان واضحاً أنه يتحرك في إطار سياسة تمهد لمرحلة جديدة وتخدم هدفين اثنين الأول : معالجة تداعيات مذبحة أبوسليم وتسوية وتصفية ملف السجن والثاني: تهيئة الأجواء – المحلية والخارجية – لتوريث ليبيا وشعبها وثرواتها لسيف معمر، وعبد الحكيم الرويمي هذا كان يملك أسلوباً ولساناً ومقدرة عالية في فنّ التعامل مع السجناء، وهو – في نظري – أحد رجلين إما أنه : ابن للبلد أفاق عقب تورطه وحاول أن يستغل الموقف ويعمل شيئاً يكفر به عن ماضيه ، أو أنه كان ممثلاً بارعاً يتقن الدور ويعرف المطلوب منه وله صلاحيات في ذلك والله أعلم بما في قلوب عباده.
وجاءت سنة 2000م وفي شهر مارس تقريباً جاء إلى السجن أبوزيد دوردة وأظنه كان حينها مندوباً للقذافي في الأمم المتحدة جاء فجأة للسجن واستدعى الدكتور عمران التربي ليتحدث معه بطريقته المعروفة و ليقول له بعد ذلك: (خوك فتحي شن يبي منّا ؟ وين ما نمشوا نلقوه قدامنا) يقصد نشاطاته وتصريحاته حول الوضع الحقوقي في ليبيا وحديثه عن سجن أخيه، وفتحي هذا مقيم بالولايات المتحدة ولعله عضو في الحزب الجمهوري الأميريكي وعلى صلة بالكونغرس، كان يتحرك من خلال الندوات والمنظمات الدولية ويحرك حملة قوية أزعجت أجهزة القذافي ويبرز قضية سجن أخيه عمران ويجعل منها دليلاً على انتهاك حقوق الإنسان في ليبيا فجاء أبوزيد ليعالج الموضوع و بطريقته الخاصة وليطلب تدخل الدكتور عمران.
______________
المصدر: صفحة مذكرات الكاتب على الفيسبوك